علي حسين
انشغلنا جميعاً بحكاية الانتخابات، وهل ستعقد أم تؤجل؟، وتناسينا أموراً حيوية تتعلق بالمواطن، منها أن الكثير من دول الجوار بدأت حملات التلقيح ضد فايروس كورونا، في الوقت الذي يعتقد فيه ساستنا أننا بحاجة إلى جرعة لقاح جديدة من الديمقراطية، وأن صناديق الانتخابات ستمحو من أذهان العراقيين سنوات من الخراب والفوضى، وان كورونا مجرد كذبة امبريالية كما اعلن الشيخ مهدي الصميدعي .
في كل مرة يذهب العراقيون إلى الانتخابات يأملون أن تصلح الديمقراطية أحوالهم المعيشية، لكن بعد أن تغلق الصناديق بالأقفال، يجد المواطن ان القوى السياسية لا تزال تتمتع بفيتو ضد أي مطالبات شعبية لا تراها ملائمة مع ثوابت الديمقراطية العراقية.
في كل مرة نجد الأحزاب السياسية تصر على "لفلفة" الديمقراطية ووضعها في جيبها الأيمن، وتعلن خشيتها من دولة العدالة الاجتماعية حيث يعتقد البعض من دراوشة الساسة أن مشكلة العراقيين ليست مع غياب الخدمات والفقر والمحسوبية والانتهازية ، وانما مشكلتهم أنهم قوم "كفرة " يعيشون عصور الجاهلية ، وأن من واجب حماة الفضيلة أن يهدوهم إلى طريق الهداية. كانت الناس تتمنى أن تحقق الانتخابات التعايش بين مكونات المجتمع العراقي كافة، وكانت الناس تتمنى أن تترجم صناديق الانتخابات إلى مؤسسات تحتضن الكفاءات، وقوانين تحارب الطائفية والانتهازية السياسية وسرقة المال العام، غير أن السنين والأيام الماضية أثبتت أن أحزابنا "الفاضلة" مصرة على اختطاف مفهوم دولة المواطنة بعيداً عن جوهره الحقيقي، محاولين تسويقه على أنه معركة للفضيلة والإيمان أو وفقاً لحالة الانتشاء التي يظهر عليها البعض منهم حين يعتقدون أنهم بصدد تهيئة المعركة من أجل دحر كفار العراق، وأن هذه البلاد لم تعد مكاناً لأقوام الجاهلية، طبعاً في خضم الشعارات الثورية ونشوة الانتصار ينسى جميع السادة دراويش البرلمان أن معظمهم يحملون جنسيات لدول أجنبية، قوانينها مدنية، ولم نسمع يوماً أن أحداً اعترض على قانون في الدنمارك أو وضع أنفه في تشريعات هولندا أو السويد أو بريطانيا. اعتقد العراقيون البسطاء في البداية أن ذهابهم بكثافة إلى الاستفتاء على الدستور في تشرين الأول من عام 2005 سينهي كل مشكلاتهم، ففوجئوا بأنه يعمق هذه المشكلات والانقسامات، ثم وقفوا في طوابير طويلة في انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات أملاً في تهدئة نفوس الساسة الثائرة من أجل الكراسي والمناصب، والانطلاق نحو عملية ديمقراطية، فاكتشفوا أن الانتخابات انطلقت بهم إلى عالم زائف ومخادع من الممارسة السياسية. لا أريد أن استبق الأحداث والانتخابت لم تجر بعد، ولكن ليس مستبعداً أن نفاجأ جميعاً بأن مجلس النواب القادم هو استنساخ للبرلمانات التي عشنا معها فصولاً من الكوميديا الديمقراطية.