علاء المفرجي
منذ أكثر من أربعة عقود ودائرة السينما والمسرح وبمختلف مسمياتها (مصلحة،مديرية،مؤسسة) هي الجهة الراعية للنشاط المسرحي والسينمائي في العراق، وكان من الطبيعي أن تتحكم توجهات هذه المؤسسة الراعية بطبيعة النتاج المسرحي والسينمائي،الذي كان يخضع دائماً للاشتراطات والضوابط التي تضعها المؤسسة، وإنْ لم يمنع ذلك الحديث عن نتاجات في هذين الحقلين الإبداعيين استطاعت أن تؤكد وعبر هذه المدة الزمنية حضوراً متميزاً في المشهد الثقافي إضافة الى أنها شكلت إرثاً فنياً يعتد به.
قسوة وصرامة الضوابط التي عملت بها هذه الدائرة خلال العقدين الأخيرين في هذين المجالين الإبداعيين؛ جعلت منها سيف ديمقلس المسلط على أي منجز سينمائي أومسرحي يحاول أن يتمرد على سائر نتاج هذه المؤسسة المحكوم بالترويج والدعاية والتزويق للاستبداد والفكر الواحد، فتحولت أقسامها المختلفة الى أدوات مهمتها الحفاظ على ماسمي بـ(السلامة الفكرية) وهي الواجهة التي كانت بمثابة السوط الذي يلوّح به القائمون على نشاط هذه المؤسسة بوجه أي عمل إبداعي يسعى للإفلات من صرامة الرقابة وتابوهاتها .ولم يكن غريباً إذن أنْ ضمت لجان فحص وإجازة النصوص المسرحية والسينمائية في عضويتها ممثلين عن الأجهزة الأمنية والمخابراتية في ذلك الوقت.
وكان من نتيجة ذلك تردي قيمة الكثير من الأعمال المنتجة في تلك الفترة بما اتسمت به من سطحية ودعائية فجة، فضلاً عن بروز الكثير من الظواهر المرضية في هذا المجال أسهمت بدورها في إقصاء وتهميش هذين المجالين الإبداعيين .
ومثل هذا الوضع غير الطبيعي لشؤون المسرح والسينما جعل العاملين في هذين المجالين يعقدون الآمال العِراض على الآفاق المفتوحة التي تجلت عن سقوط صنم الاستبداد،في انطلاقة جدية وجديدة وحقيقية تعيد الألق والحياة للإبداع السينمائي والمسرحي وأن تتحول هذه الدائرة من لعب دور الرقيب والوصي على الإبداع الى دور مرفق ثقافي يوفر بما يمتلكه من إمكانات- كل مستلزمات النهوض بالواقع السينمائي والمسرحي والانطلاق به الى آفاق أرحب.
ومع مرور كل هذه السنوات ،فإن هذه المؤسسة ما زالت تئن تحت وطاة إرث كبير من التخلف ،على رغم وعود القائمين عليها ببدائل لم تتعدَ الإجراءات الإدارية التي لاتغني عن جوع.
فالمشاريع لم نجنِ منها سوى الكلام ،والمهرجانات تجتر أعمالاً أكل عليها الدهر ،فضلاً عن افتقارها للتخطيط والدراية ،ونشاطات لايؤمها سوى موظفو الدائرة بأوامر من مدرائهم.
فالمؤسسة كما نرى، مثقلة بالمشاكل، مثلما هي وزارة الثقافة.. حيث الميزانية الأقل والحركة المحدودة في المشهد الثقافي.. والتي غالباً ما تكون - ظلماً - هدفاً لسهام النقد، وهي حالها حال من ألقوه في الماء مكتوفاً، وحذروه أنْ يبتل به.
كنا وفي هذا المكان قد وجهنا دعوة بأن تتبنى هذه المؤسسة ورقة عمل مفصّلة لتطوير واقع السينما والمسرح يسهم فيها أصحاب الاختصاص وتطرح للنقاش من قبل جميع المعنيين ، ولعل من أبرز مايُطرح هو أن تكون دائرة السينما مستقلة عن المسرح، خاصة مع الانتشار الواسع للنشاط السينمائي.
ولكن أن تستكين هذه المؤسسة للأسلوب نفسه الذي مارسته في عملها السابق من دون أن يكون لها أي حضور مؤثر في المشهد الفني والثقافي فذلك يستوجب وقفة جادة.