لم تكن وفاة الطفلة السعودية "لمى" ذات الخمسة أعوام ناجمةً عن مرض أعجز الأطباء, أو نتيجة حادث, والمؤلم أكثر من موتها هو السبب فقد فارقت الحياة بسبب التعنيف المستمر الذي تعرضت له من قبل والدها الذي يتكسب من وظيفة داعية إسلامي بالقنوات الفضائية السعودية, ولسنا قادرين على تصور المؤهلات التي ألصقت صفة الداعية بالقاتل الذي تفنن في إيذاء طفلته بعد أن أخذها من مطلقته بقصد المشاهدة فأعادها جثة مدمرة الى المشفى لتصارع سكرات الموت وهي محطمة الجمجمة, تعاني من كسر مضاعف في يدها اليسرى وبعض الكدمات في أجزاء متفرقة من جسمها، فضلاً عن آثار الحروق بسبب تعرضها للكيّ.
في التفاصيل المؤلمة أن الوالد القاتل استخدم جميع أصناف التعذيب والتنكيل بالطفلة الضحية, بعد طلاقه لوالدتها التي سلمته إياها لفترة أسبوعين بناءً على اتفاق مسبق بينهما, لكنه لم يعدها في الأجل المحدد وفوجئت والدتها باتصال من أحد المشافي يدعوها للحضور حيث وجدت الطفلة البريئة في حالة صعبة للغاية، إذ تعرضت للضرب بالسوط والسلك الكهربائي، بالإضافة إلى الكيّ والحرق، وأصيبت بالسكتة الدماغية والكسور في أطرافها وتعرضها للضرب المبرح ما أتلف كل جسدها, وبحيث لم تتمكن الأم من التعرف إليها, وكان جواب القاتل عن سبب معاملته القاتلة لابنته هو الضحك والقهقهة, مع أنه يواصل الظهور على شاشات التلفزة المتأسلمة ليقدم ما يوصف زوراً وبهتاناً بأنه محاضرات دعوية ونصائح تربوية.
نسأل وألم عظيم يسكن قلوبنا وأرواحنا عن أي إسلام كان يدعونا إليه هذا القاتل, وهو لا يستحق أن يكون من غير أتباع " أبو جهل وأبو لهب ", وفي الظن أنه حتى هذين الملعونين في القرآن ما كانا ليقترفا جريمةً بهذه البشاعة, كان الجاهلي المتعنت يلجأ إلى وأد الوليدة الأنثى, خشية الفقر أو العار, تلك عملية مؤلمة تستمر لدقائق, ومع ذلك يرافق أثرها الفاعل طوال عمره, أما أن يلجأ أب إلى عملية تعذيب ممنهجة تأخذ ليالي وأياماً, ويشعر في نهايتها بالفخر, ولا يملك غير الضحك والقهقهة, ثم تدعوه قناة ما ليرشدنا إلى " الإسلام ", فتلك جريمة مضاعفة تشارك فيها تلك المؤسسة الإسلامية الدعوية, التي يحق لنا سؤالها أيضاً إلى أي إسلام تدعونا.
سيقول البعض إن هذه الحالة شاذة وفردية, وقد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة إلى جريمة القتل, لكن الحادثة تطرح سؤالاً عن هجمة "الدعاة" التي انتشرت مؤخراً على الفضائيات, وما يتبعها من محاضرات جماهيرية حاشدة, يدفع فيها الحاضرون ثمن بطاقات حضورهم, وتباع على هامشها مطبوعات الداعية بعد أن يوشحها بتوقيعه " الإيماني ", وهي ظاهرة نعرف أن الدافع الأساس لها هو التكسب باسم الدين, وليس الدعوة إليه, فالطبيب الذي يهجر عيادته, ويتحول إلى نجم تلفزيوني يفاصل على أجر كل دقيقة مكرسة للدعوة, ليس أكثر من تاجر جشع, يستغل الدين وبساطة بعض العقول أبشع استغلال.
الداعية القاتل نموذج صارخ لبؤس الحال الذي وصلنا إليه, على يد الرئيس المؤمن أو قائد الحملة الإيمانية أو أمير المؤمنين, ومن يتبعهم من مفتي السلطان الذين يبيعون الآخرة بمتاع الدنيا, وهم على أتم الاستعداد للبحث عن مخارج بائسة تبرر كل أفعال الحاكم, حتى لو كان يضرب بالدين عرض الحائط, وإن كنا لاننتظر من الدعاة التوقف عن التكسب بالدين, ولا ننتظر من السلطات الحاكمة ردعهم, أو وضع معايير محددة لمن يقوم بهذا العمل, فإن الأمل يكمن فقط في انصراف الجمهور عنهم, مرةً واحدةً وإلى الأبد, بعد مثال تحول واحد منهم إلى قاتل ابنته, وهي جريمة انكشفت, ولا ندري كم من الجرائم ارتكبت دون أن تنكشف.
بأي ذنب قتلت؟
[post-views]
نشر في: 12 نوفمبر, 2012: 08:00 م