 طالب عبد العزيز

كان على حكومة البصرة المحلية ودائرة البلدية والشركة المنفذة لطريق أبي الخصيب- البصرة أن تستعين بجملة الباحثين والآثاريين والمؤرخين البصريين، قبل أن تعمد الى إزالة قبة وضريح الشيخ محمد أبي الجوزي التاريخية، وتستبدلها بقبة جبسية مسخ، من صنع بنائين بدائيين، لا لشيء، إلا لأنها واقعة في منتصف الطريق، المراد توسعته من قبل شركة غير مختصة في معالجة مثل هكذا آثار، القبة التي يعود تاريخ بنائها الى قرون من الزمن.

ولأنني من سكان القرية، التي يقع فيها الضريح والقبّة، فقد ودّدت الاشارة الى أنَّ المكان هذا، كان أوسع مما هو عليه اليوم، فهو مقبرة في الأصل، يدفن فيها فقراء المسلمين أطفالهم، وفيه قبتان، واحدة للشيخ، الولي محمد أبي الجوزي، وثانية لزوجته، وقيل لسريته، واحتفظُ في ما أحتفظ بصورة القبتين، لكنَّ يدَ الدهر ومعولَ الإهمال طالا إحدى القبتين فسقطت، وأمست أثراً بعد عين، وفي جائحة التجاوزات على الأراضي العامة، التي حدثت بعد العام 2003 بنى الكثير من المتجاوزين دورهم، ومحالهم التجارية عليها، حتى تقلصت الأرض المحيطة بالقبة اليتيمة، جراء ذلك، وبات المكان خارج سلطة البلدية ودائرة الوقف.

توسعة الطريق بين أبي الخصيب والبصرة قضية ذات أهمية بالغة عند السكان، ولا نملك إلا مباركة العمل والجهود، لكننا، نقول بانَّ إزالة الأثر والعلامة القديمة سيفقد المدينة شيئاً من قيمتها التاريخية. قد لا نملك المعلومة الكافية عن صاحب الضريح والقبّة، لكنها بالتأكيد من أعمال القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الهجريين، ومعلوم أنَّ مدينة أبي الخصيب مدينة قديمة، قدم البصرة، فقد تأسست سنة 126 هجرية، وفيها ما فيها من المساجد والمعالم والقصور والآثار النادرة، مثل ضريح وقبّة أبي الحمد، رضيع النبي، وكذلك قبة وضريح (أبو كوصرة) وفيها أضرحة الكثير من الأولياء والصالحين، وأصحاب الكرامات، مثل الشيخ معمر في محيلة الصكاروة، ومرقد السيد رجب الرفاعي وقصور أسرة النقيب في السبيليات والسيد الغريب في قرية فجّة العرب وغيرها.

معالجة الأماكن التاريخية قضية من اختصاص دائرة الآثار والسياحة، التي لا نعرف لها دوراً يذكر في مثل هذه، وليس من اختصاص شركة مقاولات محلية، لكننا، نشير الى أنَّ قضية كهذه يجب أن تحال الى جهات تخصصية، ذات خبرة، أما إذا كانت الحكومة المحلية والشركة المنفذة غير قادرتين على معالجتها هندسياً، وبأساليب حديثة، فكان عليها تحويل القبة الى تقاطع مروري(فلكة) مثلما فعلت البلدية مع جامع الكواز، الواقع في البصرة القديمة، قبل أكثر من أربعين عاماً، أو مثلما فعلت الشركة المنفذة لمشروع مستشفى الجامعة التخصصي، مع قبة وضريح خليفة ابن علي، الذي ابقت عليه، وجعلته ضمن محيط المستشفى دون المساس به .

وكذلك، يؤخذ على الشركة المنفذة للطريق أنها لم تأخذ بنظر الاعتبار في بناء الجسور الرئيسة، التي تقع على الأنهار التاريخية، فقد كان لزاماً عليها أن تضع اللمسات الفنية، ذات العلاقة بأبي الخصيب، كمدينة نخل وأنهار في بنائها، وأنْ لا تكتفي بالمُراد العملي من الجسر، ذلك لأنَّ استنهاض روح المبنى والمشيد أمر ضروري، ويوحي بمعانٍ كثيرة، تزيد في قيمة الشركة، وتعيد الحياة لمدينة كانت واحدة من جميلات مدن الدنيا.