علي حسين
بعد عشرين عاماً على صدور روايتها التي جلبت لها الشهرة والمال " إله الأشياء الصغيرة "، والتي نالت عليها جائزة البوكر، أهم جوائز الرواية العالمية، تعود الكاتبة الهندية "أرونداتي روي" إلى عالم الرواية لتصدر روايتها الثانية "وزارة السعادة القصوى" والتي تطرح من خلالها موضوعها الأثير نقد بنية المجتمع الهندي، ومحاولة النبش في تاريخه الحافل بالأزمات والصراعات.
تقول عن عودتها إلى الرواية ثانية: "طالما كنت أغضب من الأشخاص الذين يعتقدون أن لا مكان للاختلاف"، الكاتبة التي تنتمي إلى طائفة السيخ، لا تزال تقود حملة للدفاع عن فقراء المسلمين الذين ترى أنهم يتعرضون إلى التهميش، تعترف روي بأن أكثر ما يثير حفيظتها: "سماع أحدهم يصنفها بأنها صوت الذين لا صوت لهم"، فهي تؤمن بأنها صوت مكممي الأفواه، الذين لا يريد أحد سماع شكواهم " .
يدمر الثأر وثقافة الكراهية البلدان، ويجعل الناس تعيش في العتمة الدائمة، عشنا في هذه البلاد مع شعارات المساواة والتآخي، ومؤتمرات المصالحة الوطنية، لكننا رفضنا أن نلتفت إلى النماذج التي تقدمها البلدان، ونسخر عندما نقرأ أن رئيس وزراء بريطانيا يخرج على الناس ليقول إنني أتحمل المسؤولية عن ارتفاع وفيات كورونا في بريطانيا، تأمل هذا النموذج، فيما كنا نقدم نماذج لساسة ومسؤولين يرفضون الاعتراف بالخطأ، مئات المليارات من الدولارات نهبت من خزانة الدولة، مئات آلاف من الضحايا ، وملايين المشردين، ونسبة فقر التي نحاول ان ندخل من خلالها موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ما هو السر؟ طبعاً عندما يحب المسؤول تحب نفسك أكثر من بلده ، وهذا الامر لا يمكن أن تجده في مكان آخر.
في كل مرة تبدو لي تجربة دولة الإمارات، جديرة بالتذكير بها ، ومع ما يحيط بنا من بؤس وخراب محلي، وضياع للثروات والآمال ، نجد بلاد قريبة منا تنشأ وزارة للتسامح ، وتحتفل بعد أيام باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، الذي أعلنته الأمم المتحدة، فيما عشنا مع خطابات عامر الخظاعي عن المصالحة المستدامة والتي اسفرت في النهاية عن لجنة مهمتها ان تقيم المؤتمرات العشائرية .
لعل الانجاز الاكبر الذي حققته المصالحة المستدامة في العراق انها تغنينا عن قراءة تجارب حاسدة للتجربة العراقية، التي كان أطرف ما فيها أن عامر الخزاعي وبعد تقويم وتقييم للتجارب العالمية استطاع أن يحقق نقلة نوعية نقل فيها البلاد والعباد من "المصالحة أم طابقين" إلى "المصالحة المستدامة" التي نرفل جميعاً في خيراتها الوفيرة، ، وحتى لا يساء الظن ويعتبرني البعض معارضاً لمبدأ المصالحة، أسارع في القول بأنني مع أن تتصافى قلوب العراقيين جميعاً ومع مبدأ التسامح، ولكن على طريقة وزارة التسامح التي تسعى لتحقيق السعادة القصوى للانسان، لا على طريقة المصالحة المستدامة.