طالب عبد العزيز
يرد كثيراً في أدبيات الثقافة العراقية اسم الشاعر جان دمو عند الحديث عن الشاعر سركون بولص وجماعة كركوك، وكان الشاعر سامي مهدي قد كتب في صفحته على الفيسبوك بما يضعّفهُ شاعراً، ويؤكد على أنه "شاعرٌ في حياته أكبر منه في نصّه". وهذه خلاصة يقولها عارف بالشعر، عليم بعميقه وسطوحه، وفي قراءة لشعر جان دمو لا نرى فيه أبعد من الرأي السديد هذا، مع يقيننا بوجود من يرى غير ذلك.
في وسط ثقافي عراقي أصيل، نسجت شبكته أهواءُ اليمين واليسار، في وسط كهذا لا نعدم وجود الآخر الدخيل، الطارئ، والمتطفل أحياناً، والموجود فيه بإغواء الشهرة، واستعراض النفس، ربما يكون جان دمو ومثله الكثير قد تسللوا للوسط الثقافي هذا من بواباته الثانوية تلك، فأفلح بعضُهم، وأخفق آخرون، لكنهم أصبحوا ضمن نسيجه العام، وربما توغلوا في ذاكرة الوعي الجمعي للثقافة، فكانوا الفاكهة والعطر، لا بما قدموه من نتاج شعري، إنما عبر وجودهم الانساني، وربما الملح والطرافة التي رافقت ذلك، أو بفعل شبكة العلاقات التي نسجت خيوطها هنا وهناك، مع أصدقائهم من الشعراء الحقيقيين، الذين تمكنوا من أدواتهم، وأصبحوا على ما يجب أن يكونوا عليه، كشعراء، في الحضور والشهرة، وجملة الكتب التي أصدروها.
عرف الأدب العربي الكثير من الصعاليك، شعراء وغيرهم، وانتجت الحياة العراقية بتقلبها عبر السنين أنماطاً كثيرة من الصعلكة، وكانت الحرب الأيرانية- العراقية، وبسبب رفض الكثير من المثقفين لها في قد انتجت لنا مجموعة في الشعراء الصعاليك، الذين ادعى بعضهم الصعلكة رفضاً وموقفاً وبياناً ضدها، فيما اتخذه البعض نهجاً وفطرةً في الحياة، بعيداً عن السياسة والموقف من الحرب.
وفي جانب من ذلك نقول ربما اتخذ البعض من الشعراء الصعلكةَ حجاباً، اختفى خلفه بسبب مواهبهم البسيطة، أوكانت وجاءً لدى الطارئين والكسالى، الذين لم يولدوا بمشاريع ثقافية حقيقية، وانشغلوا بما في الحياة من متع وترهات، فكانوا اخلص الى حياتهم من مشاريعهم كشعراء وأدباء. وهذا حق لهم، لكنني، أرى أنَّ وجودهم في ثقافة بلد مثل العراق وفي ثقافة كبيرة مثل الثقافة العربية أمر طبيعي، وربما عدَّ النقاد المحدثون وجودهم بيننا وجود العافية والجمال، فهم زينة مجالس السهر، وفاكهة أحاديث الضجر، وقد لا يتصور البعض صورة ثقافتنا لو لم يكن فيها عبد الأمير الحصيري وحسين مردان وكزار حنتوش، وخليل الأسدي ونصيف الناصري وصباح العزاوي وجمال حافظ واعي وغيرهم، بل ليس بيننا من لم يقع تحت إغواء حياة البعض منهم في جانب ما من حياته.