TOP

جريدة المدى > عام > موسكو تحتفل بذكرى باباجانيان

موسكو تحتفل بذكرى باباجانيان

نشر في: 8 فبراير, 2021: 09:31 م

أ.د. ضياء نافع

سألوه مرّة – أين تعيش ؟ فأجاب – انا أسكن في موسكو ولكني أعيش في أرمينيا . إنه الموسيقار الأرمني السوفيتي ارتو باباجانيان ,

الذي ولد في مدينة يرفان عاصمة أرمينيا بتاريخ 22 / 1 / 1921 , والذي احتفلت موسكو بالذكرى المئوية لميلاده بشكل واسع جداً في وسائل الاعلام الروسية كافة من صحف وتلفزيون وراديو ...الخ , وقد بثّت قنوات التلفزيون الروسية المختلفة , بما فيها قناة كولتورا ( الثقافة , و المتميّزة بين كل القنوات الأخرى ) برامج متنوعة عن هذا الموسيقار الكبير , تضمنت لقاءآت عديدة ومتنوعة معه ومع أصدقائه ومعارفه وعائلته والمتابعين لإبداعه والمعجبين به , وكذلك عرضت أفلاماً كتب هو موسيقاها , وحفلات للموسيقى السمفونية التي ألّفها , والأغاني التي لحّنها ( وما أكثرها ) , ومعظم تلك الأغاني مشهورة ومعروفة جدا للمستمعين الروس , إذ كتب كلماتها كبار شعراء روسيا آنذاك مثل يفتوشينكو و فوزنيسينسكي و رشديستفينسكي وديمنتيف ..الخ , ومن أداء مغنين سوفيت معروفين جداً , مثل المغني السوفيتي الأذربيجاني الشهير مسلم ماغومايف وغيرهم . وفي عروض الأفلام التلفزيونية الوثائقية تلك ( أو التسجيلية كما يسميها البعض) كانت تظهر لقطات تعرض الزعيم السوفيتي الشهير نيكيتا خروتشوف وهو يقول جملته الشهيرة عن ألحان باباجانيان لعدد من الأغاني وبشكل حاسم جداً – ( موسيقى جاز ؟ وفي موسكو ؟ كلا ) , حيث منعها خروتشوف رسمياً ( رغم أن باباجانيان كان عضواً في الحزب الشيوعي السوفيتي , بل و حائزاً على جائزة ستالين للفنون) , ولكن بعد تنحيته ( أي خروتشوف ) من السلطة عام 1964 , سمح السكرتير الاول للحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك ليونيد بريجنيف باعادة تلك الأغاني الى البث العلني في الاتحاد السوفيتي , لأنه كان معجباً جداً بالمغني مسلم ماغومايف وبكل الأغاني التي يؤديها وبغض النظر عن نوعيتها, ( كم يبدو الأمر مؤلماً ومضحكاً أيضاً , عندما يقرر الحاكم الأول في البلد وحسب ذوقه الذاتي الخاص مثل هذه القضايا !!!) , وهكذا عادت هذه الأغاني الى الحياة السوفيتية عندئذ , و التي كان المستمعون السوفيت قاطبة يستمعون إليها ويحبونها , وكانوا يرقصون على أنغامها وهم يستمعون إليها , و يمكن القول – وبكل ثقة – إنها مازالت حيوية ومحبوبة الى الوقت الحاضر في روسيا الاتحادية اليوم , و من المؤكد أن الطلبة الأجانب في الجامعات السوفيتية وبضمنهم الطلبة العرب في تلك المرحلة ( أي نهاية الستينيات من القرن العشرين ) يتذكرونها , إذ كانت كل الفرق الموسيقية تعزفها في كافة الحفلات الطلابية والشبابية آنذاك .

ولد ارتو باباجانوف في عائلة ارمنية مثقفة , إذ كان والداه مدرّسين , ولاحظ جميع من كان حول هذا الطفل ميله للموسيقى وشغفه بها , واستطاعت عائلته أن تنظم لقاء هذا الولد المتميّز بالموسيقار الأرمني المشهور عالمياً آرام خاتشاتوريان , وقد أشار الموسيقار الكبير الى ضرورة تسجيله في مدرسة الموسيقى التابعة لكونسيرفاتوار العاصمة الأرمنية يريفان , وهذا ما حدث فعلاً , وقد ألّف الصبي باباجانيان مقطوعة موسيقية عندما كان طفلاً ليس إلا , وفاز بجائزة للعزف عندما كان عمره 12 سنة فقط , وكان هذا الفوز بداية طريقه الفني طبعاً . انهى الدراسة الموسيقية في يرفان وانتقل للدراسة في موسكو , ورغم بداية الحرب العالمية الثانية وظروفها الرهيبة , استمر باباجيان بمسيرته الإبداعية , وساهم لاحقاً في كتابة السمفونيات وتلحين الأغاني وبقية النشاطات الموسيقية الأخرى , متعاوناً مع أبرز المبدعين السوفيت , وقد توقفت وسائل الإعلام الروسية كثيراً عند الثلاثي الذي تبلور آنذاك من الشاعر رشديستفينسكي والمغني ماغومايف وهو , وقد علّق أحد معارفي الروس قائلاً , إن هذا الثلاثي الروسي – الأرمني – الأذربيجاني هو صورة رائعة لواقع الفن آنذاك , وإنه تذكّر قول دستويفسكي الخالد – الجمال ينقذ العالم , وقال بحسرة , لو استمر هذا الثلاثي الأممي لما حدثت الحرب الأذربيجانية – الأرمنية حول ناغورني قره باغ قبل فترة , لأن هذا الثلاثي الجميل كان سيحل الموضوع بالشعر والموسيقى والغناء , وعندها كانت ستتحقق مقولة دستويفسكي فعلاً ...

اختتم هذه الخواطر والتخطيطات السريعة حول احتفالات موسكو بمئوية باباجانيان (1921 – 1983) بمقطع صغير من قصيدة الشاعر روبرت روشديستفينسكي , والتي أعادت نشرها جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا) بتاريخ 20/1/2021على صفحتها الأولى وتحت صورة كبيرة للموسيقار باباجانيان وهو يكتب النوتة الموسيقة . القصيدة بعنوان – (الأغنية الأخيرة لارو باباجانيان ) –

....حتى لو أسقط فجأة...

...فاني في الأرض لن أذهب...

....في الأغنية...

...سأذهب...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram