ثائر صالح
نبغ الموسيقي الفرنسي غابرييل فوريه (1845 – 1924) في طفولته وتعلم الموسيقى فحاز على اهتمام أساتذته،
بينهم كامي سين-سانص (1835 – 1921) الذي اهتم به كثيراً، ودعاه للانضمام الى الجمعية الوطنية للموسيقى الفرنسية التي أسسها مع خيرة الموسيقيين الفرنسيين مثل سيزار فرانك و فنسن داندي وأدوار لالو وجورج بيزيه. وعرفه كذلك على المجتمع الباريسي وعلى الكثير من الموسيقيين والفنانين ورعاة الفنون مثل المغنية واستاذة الموسيقى باولين فياردو التي تردد على صالونها وهناك تعرف على فلوبير وتورجينيف وجورج ساند وأرنست رينان وعلى ابنة فياردو، ماريان فهام بها وأحبها لسنين، وأخيراً خطبها في تموز 1877. لكنها فسخت الخطبة في تشرين الثاني لسبب نجهله، لربما لم تبادله نفس المشاعر. وقتها ألف فوريه بعض الأعمال التي تعد من أجمل أعماله المبكرة، أهمها رباعية البيانو رقم 1 في دو الصغير (عمل رقم 15).
كتب العمل في سلم دو الصغير لرباعي بيانو تقليدي: بيانو كمان فيولا تشيلو وقد أهداه لعازف الكمان والمؤلف البلجيكي اوبير ليونار (1819 – 1890). يتميز الرباعي بروحية إيجابية على العموم رغم استعمال السلم الصغير، بدأ به سنة 1876 قبل وأثناء خطوبته مع ماريان. لكنه أنتهى منه لاحقاً سنة 1879 وقُدّم للمرة الأولى بعزفه على البيانو في 14 شباط 1880. قام بإعادة كتابة الحركة الختامية – الرابعة سنة 1883 بشكل كامل قبل ان ينشر الرباعية سنة 1884، ويعتقد أنه أتلف الحركة الرابعة الأصلية في السنوات اللاحقة.
يستغرق العمل حوالي نصف ساعة وهو مبني بشكل تقليدي، فالحركة الأولى بشكل السوناتا كما جرت العادة، الحركة الثانية سكرتسو رائعة بتنقلاتها الايقاعية والديناميكية. أما الحركة الثالثة البطيئة فتعد بين أجمل الحركات البطيئة التي كتبها فوريه، قد نجد فيها شيء من العلاقة مع أحداث العام 1877 ورفض ماريان له، أخيراً الحركة الرابعة، الختامية المليئة بالطاقة والحيوية.
تميزت أعمال فوريه المبكرة بجمال ورقة وعاطفة واضحة، وهو محبوب لهذا. أعماله الجميلة كثيرة لكن أجملها بالنسبة لي هو بافان وهو عمل قصير يستغرق سبع أو ثمان دقائق يفيض بالرقة والأناقة والجمال. كتبه لأوركسترا مع فلوت منفرد أو كورس. أما الرقصة الصقلية للتشيلو والبيانو فهي أقصر، حوالي ثلاث دقائق فهي الأخرى من أعماله المحبوبة إلى جانب قداسه الجنائزي الرائع، وعمله "بعد الحلم" للتشيلو والأوركسترا، والمرثاة للتشيلو والبيانو. كل هذه الأعمال القصيرة بالتحديد قد سمعناها في أكثر من مكان ولأكثر من مرة، فهي مستعملة بكثيرة في السينما والتلفزيون كموسيقى تصويرية بسبب جمال ألحانها وعمق عاطفتها. ألف كل هذه الأعمال القصيرة الناجحة خلال السبعينيات والثمانينيات في شبابه، في نفس فترة تأليف الرباعية عندما كان يكسب خبرته كعازف أورغن في الكنيسة. بعدها أصبح فوريه أحد أهم الموسيقيين الفرنسيين في عصره، خاصة مع إدارته لكونسرفاتوار باريس فكان تأثيره كبيراً على أجيال من الموسيقيين الفرنسيين.
الرباعية
فوريه بعزف البافان على البيانو، تسجيل من 1915