علي حسين
سأظل أكرر القول، اليوم وغداً وبعد غد، بأن المحبة والتسامح وحدهما طريق للخلاص من كل هذا الخراب، الكراهية موت ودمار، ونتائجها دائماً مقابر جماعية، وأعتقد أن هذه البلاد "شبعت" من الموت المجاني، ولم يتبقّ في روزنامتها يوم لاستذكار ضحايا جدد،
وأيضاً، سأظلّ أكرّر في هذه الزاوية الحديث عن ساحر أفريقيا نيلسون مانديلا، وباني التسامح في الإمارات الشيخ زايد، ومؤسس نهضة سنغافورة لي كوان، وعظيم الصين دينغ هسياو بينغ الذي نقل بلاده من خطب الكتاب الأحمر إلى خطب العمل والتنمية والاستقرار. ربما سيقول البعض، ما الذي يمكن لكاتب ضعيف الحال والأحوال مثل جنابي أن يضيف إلى رجال عاشوا حياتهم وماتوا وهم محبون لكل الناس، بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم.
اسمحوا لي أن أؤجل الحديث عن بغداد التي استطاع نعيم عبعبوب أن يجعلها تتفوق على دبي، وتنتظر أن تتقدم على سنغافورة على يد حاكم الزاملي، قبل أيام كنت أقرأ في كتاب رسائل الشيخ الجليل ابن حزم، ولأنني أدرك جيداً أن البعض سيذهب بذهنه إلى الشيخ همام حمودي الذي اعتبر عيد الحب من الكبائر، فأحب ان اخبركم بان ابن حزم سطر لنا كتاباً في أحوال المحبين لم يعرف مثله، رقة وعذوبة، وصراحة هو "طوق الحمامة" وفيه يقول "الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكور في الديانة، ولا محظور في الشريعة"، وهذه العبارة حتما لم يقرأها الذين يعتبرون الاحتفال بهذا رجس من عمل الشيطان .
ولأننا نعيش اليوم أجواء عيد الحب، فقد تذكرت ما كتبه الفقيه والشاعر أبوالطيب الوشاء حين سُئل عن الحب فقال: قلة النوم وإدمان الفكر وإعلان الحنين "، وهو التعبير الذي استمده شاعر فرنسا الكبير أراغون الذي كتب لمحبوبته إلزا "إنهم لا يصدّقون قولي عن الحب برغم هذا الذي أُعانيه"، وحين عصفت الأهواء بشيخ مثل تولستوي انزوى جانباً ليكتب هذه السطور بأصابع مرتعشة: "على رصيف المحطة لمحت قوامه. عجباً، ما الذي جاء به إلى هنا؟ لم أكن أعلم أنك كنت على سفر. لماذا أنت هنا؟ سألته؟، قال وهو ينظر في عينيها: تعلمين أنني جئت في إثرك. فليس في وسعي تجنب ذلك".. وأن شاعراً مثل امرئ القيس ترك البحث عن مُلكٍ ضاع وهام يبحث عن محبوبة هجرته:
أغرّك مني أن حبّك قاتلــــــــي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
في النهاية أتمنى أن نحتفل جميعاً بعيد حبّ العراق.. ولتذهب إلى الجحيم كل فتاوى ساستنا ووصاياهم، فنحن بدون الحب سنعيش حتماً في عتمة وتصحّر مع مسؤولين مصرّين على أن يورثونا "تكشيرة" عالية نصيف!.