رعد العراقي
تواجه منظومة التحكيم في كرة القدم لموسم دوري الكرة الممتاز العراقي 2021-2020 سيلاً من الاتهامات غير المسبوقة من قبل إدارات الأندية والجماهير نتيجة اتخاذ قرارات تحكيمية خاطئة والتأثير بنتائج المباريات لأسباب تتفاوت بين التعمّد مع سبق الإصرار وما يترتّب عليه من إسقاط الأمانة المهنية للحكم وبين الجهل وعدم الكفاءة !
لم يمرّ دور ضمن المرحلة الأولى للدوري الممتاز إلا ورصدت الكاميرات وعيون المتابعين مشاهد موثقة لأخطاء تحكيمية قاتلة، تتبعها حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الرياضية تروّج لوجود نية مبيّتة ضد أندية معيّنة ومجاملة الفرق الجماهيرية وهو ما سبّب في استثارة عواطف الجماهير التي بدأت تشعر بالمظلومية وتطرح نهجاً جديداً غير مُستحب يتمثّل في الترويج لجزئية وجود استهداف مُمنهَج وخاصة لأندية المحافظات دون غيرها.
بدءاً لا بدَّ من التذكير بأن مَهمّة التحكيم كانت ولا تزال تمثّل القضاء الناطق بالقرار البات في جزئية زمنية لا تتجاوز الثانية، وبالتالي فإن دقّة القرار تستند الى اتساع زاوية الرؤية ووضوحها من دون تأثيرات جانبية، وبالطبع فإن الخبرة والثبات وقوّة الشخصية تعتبر عوامل مُكمّلة تسهم في ذهاب الصفّارة نحو مقاصدها الصحيحة.
ما أشرنا إليه لا يمثّل تبريراً أو دفاعاً عن نُخبة كفوءة من الحكام ممّن تصدّوا لهذه المَهمّة الشاقة إلا أن بيان الحقيقة والمنطق مع تطويق مكامن الخطأ هو الطريق الصحيح في المعالجة قبل التفكير بالانتقام والتخوين ورمي التهم جزافاً ليصيب الجميع ويُساء لتلك المنظومة القضائية التي جُرّدت من كل شيء، وتُركت تواجه مصيرها بوسائل بدائية دون بقية نظرائهم في العالم ممّن أدركوا استحالة تحميل حكام المباريات المسؤولية فكانت تقنية الفار إنقاذاً لهم وانصافاً لمجهودات وحقوق الفرق المتبارية.
لكن حين تتكرّر الأخطاء، وتتجاوز الحدود المعقولة وتتسبّب بإلحاق الأذى بفرق معيّنة فإن الأمر يتطلّب البحث في الأسباب بعيداً عن الأساليب الروتينية التي لا تتجاوز إصدار العقوبة بحقّ الحكام، وحرمانِهم من إدارة عدد معين من المباريات، كما يحصل الآن من قرارات تلجأ إليها لجنة التحكيم في الهيئة التطبيعية برئاسة د.علاء عبدالقادر.
وهنا يبرز سؤال في غاية الأهمية والحساسية : ما هو المعيار القانوني والمنصف الذي استندت اليه لجنة الحكام في اعتماد عقوبة الحرمان لحكام اخطأوا في قراراتهم؟ وهل ناقشت وتفحّصت الدلائل وصنّفت كل فعلٍ بين متعمّدٍ أو لا؟
في كلا الحالتين، فإن عقوبة الحرمان لا يمكن أن تكون مُنصفة أو تعيد الحق للفرق المتضرّرة، فالتعمّد لأسباب نفعية يتطلّب تحقيقاً قد يفضي للقضاء والحرمان مدى الحياة وغير المتعمّد لا يمكن أن يكون الإيقاف وسيلة لمعالجة سحرية لمن لا يملك الخبرة والقدرة على إدارة المباريات.
لذلك فإن لجنة الحكام مطالبة ببيان كل تلك الحقائق وقد تكون هي الأخرى في موضع المساءلة بعد فشلها في تهيئة الحكام أو تقديم خارطة عمل للنهوض بمستواهم، كما أنها أخفقت بشكل ملحوظ بوضع الحلول الآنية أو المستقبلية لِما ينبغي أن يكون عليه الجانب التحكيمي في قادم الأيام.
للأسف أن فوضى ما يجري من إخفاق تحكيمي سيستمر، نتيجة ازدياد الضغوط النفسية والخوف من الاتهامات في حالة حصول خطأ غير مقصود من قبل الحكام للمباريات القادمة، وهو ما قد يفسّر ارتباك بعض الأسماء التحكيمية التي تملك الشارة الدولية وظهور حالات من عدم التوازن لقراراتهم داخل الميدان بعد أن تيقّنوا أن لا مجال للخطأ ولا هروب من تحمّل المسؤولية لوحدهم وما يتبعها من عقوبة قد تمسّ سمعتهم الوظيفية.
باختصار ..الكرة في ملعب التطبيعية التي لا بدّ أن تتحرّك باتجاه إعادة ترتيب بيت التحكيم قبل أن تنهار الثقة نهائياً بعدالة إدارة المباريات وتتسبّب في فشل دوري الجميع يتأمل بأن يكون ناجحاً ومميّزاً بكل جوانبه التنظيمية ومخارجه الفنية، الحلول تتطلّب جرأة في دراسة تغيير لجنة الحكام وتفعيل وسائل عمل لها جديدة توازي خطط وإجراءات الدول المجاورة وتعطي للحكام دافعاً نفسياً لإعادة الحسابات، وتجديد الثقة بإمكانياتهم حتى يشعروا بأن هناك راصداً عادلاً يشخّص الأسباب ويُحاسب المقصّر دون أن يكونوا دوماً وحدهم الضحية!