TOP

جريدة المدى > عام > قواعد المسرح الرقمي

قواعد المسرح الرقمي

نشر في: 15 فبراير, 2021: 09:57 م

د. محمد حسين حبيب

لا قاعدة هناك في الفن .. ولا قواعد ثابتة هناك في الإبداع الفني وفي مختلف التخصصات الفنية ،ذلك لأن الفن والإبداع الفني يبحثان في مناطق مجهولة من الابتكار والتجديد ،

يهيمان في القبض على المطلق واللامتوقع ، كسراً لكل القواعد التي من شأنها التضييق على فعل التجريب الحركي ومساحة الإبداع الفني الخلّاقة والمنفتحة نحو مساحات للا حدود لها البتة .

لكن الحاجة تدفع البعض أحياناً الى تقعيد المصطلح الجديد لاسيما وهو يحبو في انطلاقته الأولى بحثاً عن التعريف المتفق عليه معجمياً واصطلاحياً ، أو في محاولة السعي نحو تجذير المفهوم البكر لظاهرة جديدة ما وحصرها اصطلاحاً ومفاهيم بهدف الوصول الى مفهوم علمي واضح ورصين ، وهذا فعلاً مانعتقده هنا وما يحتاجه مصطلح مثل ( المسرح الرقمي ) الذي وضعناه عربياً لأول مرة ومنذ عام 2005 واقترحنا له تعريفات أولية وهي الى الآن غير ثابتة بحكم حداثة المصطلح واكتشافاتنا المستمرة عنه وحوله عالمياً وعربياً ، لأننا بين فترة واخرى نكتشف أن هذا المصطلح ( المسرح الرقمي ) قد تم تداوله عالمياً منذ تسعينيات القرن الماضي سواء بالتسمية نفسها أو بمسميات مجاورة لاتخرج عنه تطبيقاً أو مفاهيم مثل ( المسرح التكنولوجي ) أو ( المسرح الالكتروني ) أو ( المسرح الافتراضي ) أو ( المسرح عبر الانترنت ) أو ( المسرح الوسائطي ) وأخرى غيرها من مسميات التجأت الى ذات المعنى والمفهوم تنظيراً وتطبيقاً .

وهي مجلة فرنسية متخصصة في النقد المسرحي بمعنى لعب . jouer

كانت قد خصصت في واحد من أعدادها عام 2012 ملفاً عن المسرح الرقمي وتحت نفس عنوان المصطلح ، كذلك ماقدمه لنا قبل سنوات قصار المخرج الايطالي انطونيو بيتزو في كتابه ( المسرح والعالم الرقمي) من مفاهيم ومصطلحات أخرى قاربت واتصلت كثيراً بالمسرح الرقمي ، وغيرها من المراجع الجديدة التي اسهمت في توسعة دائرة الاهتمام العلمية والاكادديمية عربياً ومحلياً .

أما اليوم فنوجه أنظار المهتمين والمختصين نحو كتاب ( الشاشات على خشبة المسرح ) ج2 منه الذي جاء تحت اشراف ( بياتريس بيكون قالين ) ترجمة ( نادية كامل ) من اصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الواحد والعشرين ، وهو يضم مجموعة من الموضوعات ذات العلاقة بعدد كبير من البرامجيات الحاسوبية الرقمية وكيف احتلت الصدارة في الشاشات على خشبات مسارح العالم المختلفة مستثمرة هذه التقنيات الرقمية في تأسيس دراماتها المسرحية عبر مختلف ابتكارات التوظيف والاستثمار الذي من شأنه أن يخلق عوالم افتراضية مسرحية تتفاعل مع الخشبة وهي تبث السحر والجمال العالي بهدف زحزحة الثابت وتفجير المتحرك والتحليق به نحو فضاءات مسرحية خلاقة ، ومن هذه الموضوعات التي جاءت في الكتاب نذكر : ( انكسار أشعة الاجساد داخل الفضاء الالكتروني حول بعض العروض التي أخرجها جورجيو باربيرو كوستي ،بقلم ديدييه بلاسار ، و شاشة الفكر أو الشاشات في مسرح روبير لوباج ، بقلم شانتال هيبير ، والمسرح والحقيقة الافتراضية ، مقدمة لمسير مارك ، بقلم فرانك بوشار ، و نص مسرح وفيديو ، بقلم جان – فرانسوا بييريه ، والتشكيل النفسي للفضاء المسرحي ، حديث مع جوزيف سفوبودا و ميلينا هونزيكوفا عن الصورة المسرحية .. ) وموضوعات مقالية أخرى عديدة اهتمت بذات السياق المسرحي الصوري الرقمي والفيديوي والسينمائي الذي من شأنه تفعيل الفضاءات المسرحية جمالياً وفكرياً وانشائياً .

لكن من المهم التوقف هنا عند ماطرحه ( كارل بادريزا سينجلا ) في درااسته التي جاءت تحت عنوان ( المسرح الرقمي ) يقول في مقدمتها : " بعد المرحلة التي شكلها في وقت ما مسرح التأثير ، فان لافيورا دل باوس في خضم بحثها عن النموذج المثالي القديم ألا وهو المسرح الكامل ، تتقدم الآن نحو ما أطلق عليه اسم ( المسرح الرقمي ) . الطريق وعر وطويل ، مليء بالعقبات والمنعطفات ، ولكننا نحن الفيوريس نؤمن بمسرح يرغب في تقديم الانسان على المسرح وفق مستوى أكثر سمواً ، دون عقد ، فالمسرح الجديد لم يوجد لكي يقلد الانسان بل لكي يبني الإنسان الأصيل " . فالمسرح الرقمي لدى سينجلا ، هو ذلك الذي يعتمد نظاماً ثنائياً ، أداة عمل لبناء مختلف الميادين وهو من " ناحية أخرى مسرح قامت الأصابع ببنائه ، والتحكم فيه بشكل كامل " . ثم يمر على تحديد مفهوم موجز وسريع عن مسرحه الرقمي الذي يتلاعب بالمعلومة لأنه دراما العالم كونه حقيقة ذاتية لا حقيقة موضوعية على حد قوله ، منتقلاً الى شرح السيناريو الخاص به الذي يغوص بالمكان الرامز الى الزمن اللانهائي ، وصولاً الى الممثلين الذين : " يتحركون بطريقة مضحكة مثل الدمى التي حركها القدر ، يبالغون في الأداء ، يتحركون برعونة مثل الدمى المتحركة يضربون بعضهم بعضاً ، في كل أداء ، هناك شخصيات رئيسة ، الآخرون محايدون لا يقومون إلا بالبناء أو الهدم أو يظلون في أماكنهم " .

ثم يختم ، بوضعه ( خمس قواعد للمسرح الرقمي ) وهي :

1- المسرح الرقمي هو حصيلة ممثلين وملايين من وحدات التخزين الرقمية صفر واحد تجوب شبكة الفيديو كونفراس ، حاملة معها صوراً وأصواتاً وحركة تنقلها من مكان الى آخر .

2- المسرح الرقمي مثله مثل أي مسرح آخر ، يتم بشكل مباشر وبطريقة حقيقية بتفاعل كامل بين الممثلين الذين يعملون من خلاله .

3- لا يحتاج ممثلو المسرح الرقمي لأن يكونوا في أماكن أو مدن أو بلاد مختلفة لانه قد تم ربطهم بواسطة وحدة تحكم عن بعد للفيديو كونفراس .

4- يسمح المسرح الرقمي باعادة تغذية الصورة كقاعدة للتواصل بين الممثلين ، يتم الأمر وفقاً لسلسلة من الصور تمر من مكان الى آخر من خلال الشبكة خلال بضع أجزاء من آلاف من الثانية، أثناء ذلك الارتباك ، يجد الممثلون نقطة التوافق في حركاتهم .

5- المسرح الرقمي ، رغم ارتكازه على التكنولوجيا ، يعود بطريقة حاسمة الى شكل المسرح البسيط الأولي ، الساحر ، القديم ، من سحر الحركة والرقص والارشادات والطقسية كما لو أن المسرح قد عاد ليبدأ من الصفر " .

في ضوء ماتقدم ، يعلن كاتب السطور هنا اختلافه ضد أغلب ماجاءت به هذه القواعد الخمسة للمسرح الرقمي التي وجدت على رابط في الانترنت منذ عام 1997 ، لأن هذه القواعد قد قيدت المفهوم وحصرته في البرامجيات الحاسوبية المستخدمة لإنتاج صورة مسرحية مبرمجة لا روح للدراما فيها ، أو هي نسيت هذه القواعد إنها تتعامل مع دراما مسرحية فيها من الثنائيات والصراع والصورة والتحولات والتأثيرات الفكرية والجمالية على فكر وروح المتفرج وتثوير تفاعله الذي ينبغي ، لأن ما عنيناه نحن في وضع نظريتنا عن المسرح الرقمي ، لا ذلك المفهوم المرتبط بعلوم البرامجيات حسب ، بل ذلك المفهوم المرتبط بالمسرح وعرضه المسرحي في ال ( هنا ) و ( الآن ) ، لأنني وأقولها بتواضع شديد ، من أوائل المسرحيين العرب الذين دعوا وسعوا للترويج الى أهمية استثمار التقنيات الرقمية الالكترونية ، من أجل انعاش الفضاء المسرحي جمالاً بهياً وساحراً ، لأن المسرح الرقمي هو مسرحنا القادم لا محال ، ولأنني قصدت بالمسرح الرقمي : هو ذلك العرض المسرحي الحي المقدم على خشبة المسرح ، والذي يشاهده الجمهور في ال (هنا) و (الآن) وهو يستثمر التقنيات الرقمية التي من شأنها التحليق جمالياً وفكرياً بفضاءاته وعوالمه الدرامية ليتجلى فيها انفعال التلقي وانعكاسه على الذائقة بمختلف مستوياتها .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram