علاء المفرجي
انبهرت به كممثل ذي أداء متقن، في الشخصيات التي قدّمها في السينما أو في التلفزيون أو المسرح، في السنوات التي زامنت صباي، ولم أكن حينها معنياً أو دارساً نظرية الممثل، أو مطلعاً على ما يقوله ستانسلافسكي في تنظيراته عن الممثل،
أو النظر بشكل علمي لعمل الممثل. لكني توقفت كثيراً أمام أداء سامي قفطان يوم اكتسبت خبرة لابأس بها، وأصبحت لي حينذاك محاولات في الكتابة عن المسرح والسينما، وصرت أتابع أعماله، وكلفت مرّة في مناسبة للحديث عنه وعن دوره في فيلم (رجل القصب)، وحتى إذا ما أصبح لي رأي في ذلك، غدا رأيي الأخير أن سامياً - وبلا مبالغة - هو الممثل العراقي الوحيد الذي يقنعني كممثل.
أستطيع أن أقيّم سامي قفطان أو أداءه من معرفتي الشخصية به، فهذا الممثل الذي اقتحم منابر الإبداع في السينما والمسرح والتلفزيون، لم تكن وسيلته في بداياته الدراسة العلمية، بل الحب والرغبة في أن يكون يوماً ممثلاً. وربما كانت تلك سبباً أساسياً في أن يتقن هذه المهنة وبشكل جميل، قبل أن يتوجها بالدراسة، وتلك لعمري هي مايضيفه الموهوب لهذه الدراسة، بل وما تُسهم به هذه الدراسة في صقل موهبة مكتملة.
وسامي قفطان الذي قدّم الكثير من الأدوار وتألق بها، قبل أن يدرس التمثيل.. كان يجمع وبالفطرة الأساليب التي خصص لها منظرو التمثيل جانباً مهماً في بحوثهم، فكان أن اغترف من المدرسة الكلاسيكية، التي تعتمد بشكل مطلق على قدرات الممثل الذي يقرر بنفسه الطريقة المناسبة في الأداء والتي تتطابق مع السلوك المتوقع من الشخصية، لكنه في الوقت نفسه يغترف من المدرسة الأسلوبية في الأداء، حيث الاعتماد على الذات لا على السيناريو، ذاته، فبدلاً من أن يجسد الشخصية كما هي مكتوبة في السيناريو، نراه يتحول الى الشخصية نفسها، بالبحث عن المشاعر والأحاسيس المشابهة داخله، فنراه يلجأ الى أسلوب يوازن بين الممثل وما مخطط له في السيناريو.
في كل الشخصيات التي قدّمها، وخلال مسيرته الفنية والتي استمرت أكثر من نصف قرن، تجلى هذا الأسلوب في إدائه، درجة قدّم فيها شخصيات متباينة في اندفاعاتها، وطبيعتها النفسية، وسلوكها، بالقدر نفسه من الإبداع، فلاح معدم، شيخ عجوز، ارستقراطي، موظف بسيط، قائد تاريخي.. وغيرها، أدوار استحوذت على إعجاب قطاع واسع من المشاهدين.
يكفي سامي قفطان أن يتعرف على الشخصية من الورق (السيناريو)، ويكفيه أن يلم بموضوع السيناريو والأحداث التي ترافقه.. عند ذاك يرسم للشخصية، شخصية أخرى في رأسه، يضع فيها إحساسه ومشاعره، ويتقمّصها بوصفها (هو)، بل يضع فيها ما يجعله يتماهى معها حد الانصهار، ويكفينا إختيار أي شخصية من الشخصيات التي لعبها في السينما أو التلفزيون أو المسرح، لنلمس إضافته لهذه الشخصية، بما يجعلنا نتناسى الممثل سامي قفطان، وننصرف الى هذه الشخصية المستحدثة.. أسمعته مرة شيئاً من دوره في (الظامئون) مع العملاق محمد شكري جميل، وهو الفيلم الذي طالما أذكر أنه انعطافة مهمة في السينما العراقية.. عن سيناريو هذا الفيلم اسمعته شيئا ما زلت أتذكره، من حديثه مع ناهدة الرماح وهو يتودد لها كما أراد السيناريو، فإذا بي كمشاهد وقتئذ أمقت هذا الفلاح الإنتهازي الذي جسده سامي، وهو مشغول بإدامة غرائزه، وسط جحيم القرية الباحثة عن الماء.. وهي المشاعر نفسها التي واجهت (سارة برنارد) يوم ألقى الجمهور عليها الطماطة والبيض الفاسد، لأدائها الفائق وإيهامها الجمهور بأنها هي الشخصية السلبية، كانوا يرمون إذن الشخصية وليست سارة برنارد !! وقالت برنارد حينئذ: الآن عرفت أنني قد وفّقت بأداء الشخصية.
سامي قفطان ممثل عراقي يستحق إنحناءةً.. وإشادة.. ويستحق هذا التكريم من (السينمائي).
جميع التعليقات 1
Anonymous
فنان مبدع ونص جميل ومعبر بلغة مشوقة لكاتب متميز ومبدع