اجرت اللقاء / بشرى يوسف يمتاز الشيخ جلال الحنفي بأريحيته ودماثة خلقه وخفة روحه... له نفس يستخفها الطرب وتسحرها الاصوات. فهذا الشيخ النشيط ذو السبعين عاما دائب الحركة دائب العمل لا تفوته شاردة ولا واردة في التعلم الا وتعلمها..
حدثتني عنه زوجته «الشيخة» كما يسميها هو قائلة: «لا وجود للتعب والارهاق في قاموس الشيخ جلال» والجميع يعرف الشيخ جلال الحنفي بطبيعته السخية الكريمة. فماذا يقول هو عن نفسه؟-نحن من سكان بغداد القدماء وان كنا لا نملك فيها دارا اول كتاب تعلمت فيه القرأن الكريم هو كتاب في جامع العرب بالبصرة حيث اقمت فيها شيئا يسيرا من الوقت ابان الحرب العالمية الاولى اذ عمل والدي وعمي هناك بعض الوقت واشرت الى ذلك قريبا ضمن قصيدة عنوانها (اعتذار الى البصرة) اذ قلت: وفي كتاتيبك اللائي قرأت بها / مع اللدات حروف الخط والسورا)افدي بكل سني عمري واسعدها/  عهد الصبا فيك ميمونا اذا ذكرا وحين عدنا الى بغداد الحقت بكتاب الملا ابراهيم وهو من اشهر اصحاب الكتاتيب في بغداد لدى اطفال محلات الفضل والقراغول والبارودية. *وما تأثير طفولة الشيخ جلال الحنفي على شخصيته؟ يقول الشيخ جلال: -عشت ايام طفولتي في فقر مدقع لا يطاق صبرنا عليه صبرا جميلا، وغالبا ما كنت اعود ظهرا من الابتدائية فلا اجد طعاما فارجع الى المدرسة لدروس ما بعد الظهر وهذا ما عودني حتى اليوم على مواجهة الجوع بلا مبالاة مهما كانت وطأته شديدة وبذلك كان صوم رمضان لدي اهون شيء مهما طال نهاره حتى استوى عندي الجوع والشبع. *صبرت على الجوع ثلاثة ايام، بل خمسة. -يسترسل الشيخ جلال في حديثه قائلا: -لقد نفعني ذلك الفقر في غير موقف من مواقف الحياة.. ففي القاهرة عام 1940 ايام الدراسة لم اتناول طعاما ثلاثة ايام بلياليها اذ كنت قد طبعت كتابي «التشريع الاسلامي تاريخه وفلسفته» فنفد ما كان معي من نقود، واذ اني قليل الجرأة على الاستدانة فاني صبرت على الجوع تلك الفترة دون ان تظهر علي اعراض تنم عن ذلك. وفي عام 1959 حين اوقفت في موقف شرطة الكاظمية اضربت عن الطعام خمسة  أيام كاملة احتجاجا على هذا التوقيف الذي علل بكوني لا املك وسيلة جلية للتعيش في حين كنت اماما وخطيبا بارادة ملكية في جامع الكهية ببغداد فكيف تكون الوسيلة الجلية للتعيش اذن؟ ولكن ذلك كان من بعض طبيعة المد انذاك. وللفقر في حياتي فوائد اخرى.. منها، انه جعلني انصرف الى القراءة والكتابة.. *وماذا كنت تقرأ؟-..حببت الي القراءة في كتب السير فلم اجتز الصف الرابع الابتدائي حتى كنت قد انجزت قراءة قصة عنترة بن شداد العبسي وسيرة الظاهر بيبرس وسيف بن ذي يزن وحمزة البهلوان والف ليلة وليلة. *الطالب المتفوق في العربيةيقول الشيخ جلال الحنفي:-كنت متقدما في اللغة العربية في سائر صفوف الدراسة الابتدائية وما بعدها بسبب قراءاتي الكثيرة حتى اني على ما اتصور الطالب العراقي الوحيد الذي حاز درجة مئة بالعربية في امتحان البلكلوريا لعام 1930- 1931 الدراسية. مارست في صغري الرسم بالقلم وكتابة القصة والمقالة ونشرت لي صحف بغداد اواخر العشرينيات شيئا من ذلك، كما اني عنيت بالتردد على بعض الزورخانات وتعاطي بعض انماط الالعاب البهلوانية من نحو لعب الشناو وغيرها. بدأت قراءة الصحف المحلية وانا في الصف الرابع الابتدائي وفي الصف السادس الابتدائي انتقلت من مدرسة الحيدرية الصباحية الى المأمونية المسائية لرغبتي في الالتحاق باعمال مجلة الهداية الاسلامية التي كان يحررها المغفور له الشيخ كمال الدين الطائي ففقهت فقه العمل الصحفي وتهيأ لي العدد الكبير من المجلات والصحف الواردة الى مجلة الهداية من الخارج فكنت اتابع قراءتها جميعا، وصرت اكتب اشياء تصلح للنشر من شعر ونثر. * للشيخ جلال الحنفي علاقات وطيدة بالعديد من الشخصيات المعروفة في البلد يومذاك.. فهل يذكر لنا بعض المناسبات التي التقى فيها بهم؟ ..منذ ايام الدراسة الابتدائية اتصلت بعدد من الشخصيات المعروفة في البلد ومنهم العلامة اللغوي الذائع الصيت الاب انستاس الكرملي والشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي وغيرهما، فكان الزهاوي يصحح لي اوائل قصائدي والكرملي يوجهني التوجيه اللغوي السديدومنذ الصغر مارست صناعة الجدل مع جماعة المبشرين فجرني ذلك الى الايغال في مطالعة الكتب الدينية والتمرس في امور الجدل على اختلاف مناحيه. وفي الصف الخامس الابتدائي كنت عضوا في خلية ترتبط بجمعية سرية كنا نسمع باسم لها ظاهري هو «جمعية الجوال العربي» وكان ارتباطنا بهذا الامر بمعلمنا الاستاذ عبد الستار القره غولي وذات يوم ذهب بنا الى مجموعة من اعضاء الجمعية كان فيهم الاستاذ خير الله طلفاح وجابر عمر واخرون. وفي ايام العطلة الصيفية رجوت الاستاذ عبد الستار القره غولي ان يكلفني كتابة دروس انشائية اكتبها فيصححها . فكنت اكتب جملة كبيرة من الاوراق فاذا به يشطب على الكثير مما اكتبه ويبقى القليل فكان ذلك يسرني كثيرا اذ اجد فيه الضوءين الاخضر والاحمر للمنهج الذي يجب اتباعه في الكتابة. كنت اكتب مذكرات يومية وانا في