رعد العراقي
يمثل الدكتور حارس محمد نموذجاً قياسياً في توصيف معنى الكفاءة والخبرة والمستوى العلمي حين تجتمع مع دماثة الأخلاق والحرص وحب الوطن، فمنذُ أن كان لاعباً تشعر أنه ماكنة بشرية لا تهدأ دفاعاً عن ناديه والمنتخب الذي كان يمثّله، وتلمسُ في حركته دهاءً فكرياً،
ورؤية فنية كانت تعطيه المرونة في التمركز الصحيح، وتساعدهُ في صناعة وتسجيل الأهداف بلمسات فنية برازيلية كانت سبباً في تقديم فاصل مهاري على أعلى مستوى لخّصتهُ حركته الشهيرة بتمرير الكرة من بين أقدام سقراط أعظم لاعبي الكرة البرازيلية الذي وقف مذهولاً منها خلال لقاء منتخبنا الوطني أمام نادي فلامنغو على أرض ملعب الشعب الدولي في الخامس من شباط عام 1986 ومازالت ذاكرة الجماهير تحتفظ بتلك الواقعة.
بعد رحلة ناجحة من العطاء والإنجازات على مستوى الأندية والمنتخبات الوطنية التي توجّها بالمشاركة مع المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم في المكسيك عام 1986، غادر الملاعب عام 1992 وأتجه نحو مقاصد العِلم والمعرفة لتعزيز خبرته وتطوير قدراته في مجال التدريب، نال شهادة الدكتوراه، واستقرّ به الحال في دولة قطر كمستشار فنّي على مدار عشرين سنة لأعرق الأندية القطرية (نادي الغرافة) .
ومثلما غادر الملاعب والبلد بصمتٍ عاد في تشرين الثاني 2020 الى أرض الوطن ومعشوقتهِ مدينة الموصل بلا ضجيج أيضاً ليستقرّ مع أهله وأصدقائه وسط ترحاب وحفاوة من جماهيره التي طوّقته بمشاعر الحب والتقدير من خلال استضافته في حوارات ومحاضرات تقام في المحافظة.
من المستغرب أن تكون تلك الثروة الوطنية بعيدة عن أذهان اللجنة التطبيعية في وقت كانت هناك أصوات تُشكِل على الكفاءات الرياضية المتواجدة خارج البلد عدم عودتها والمشاركة في تسخير خبرتها بتطوير الرياضة العراقية وصلت لحدود توجيه اتهامات قاسية لهم بالتنكّر لخدمة الوطن، بينما تخفِتْ تلك الأصوات وتزيغ النظر عن حجم الإهمال ومساحة الاستحقاق المفترض أن تُمنَح لتلك الكفاءات لتكون العودة للديار بمثابة نهاية المشوار!
قد تكون صفة الحياء وعزّة النفس التي تشكّل إحدى صفات الخلوق حارس محمد عُذراً له في عدم التفكير بعرض خدماته لإثراء وتعضيد عمل الهيئة التطبيعية، إلا أن موقف الأخيرة يشكّل لُغزاً مُحيّراً بعد أن تجاهلت موضوع الاستفادة من خبرته الأكاديمية والعملية سواء في ضمّه الى اللجنة الفنية أو الاستعانة به كمستشار ومحلّل فني للمنتخب الوطني وخاصة أن هناك تجربة أكثر من ناجحة خاضها حارس حين عمل كمستشار فني برفقة المدرب حكيم شاكر في بطولة خليجي 21 بالبحرين (5 -18 كانون الثاني 2013) وكان منتخبنا قاب قوسين أو أدنى من حمل اللقب، إضافة الى عمله كمحلل في قنوات الكاس القطرية لسنوات طويلة.
إن ما مرّ به المنتخب الوطني من تفاوت في مستواه الفني، وغياب حالة الاستقرار شكّلت هاجساً مُقلقاً قد يؤثر في رحلته نحو التأهل لنهائيات كأس العالم 2022، وخاصة أن لغة التفاهم والتواصل تبدو مفقودة بين اللجنة الفنية والمدرب كاتانيتش الذي أبدى في وقت سابق رفضه فكرة ضم مستشار فني لكادره التدريبي وانفراده بالقرار الفني أو عملية اختيار اللاعبين، وقد يكون لطرح اسم الدكتور حارس محمد حلاً ومخرجاً ذكياً تحت أي مسمّى ليكون حلقة التواصل والمتابعة وممثّلاً عن اللجنة الفنية مع المنتخب الوطني، وخاصة أنه يمتلك الشخصية والكاريزما والتاريخ المهني الحافل، إضافة لإجادته اللغة الإنكليزية التي ستكون جميعها عوامل مساعدة وحافزاً لإقناع كاتانيتش بأهمية وجوده معه سواء في تقديم المشورة الفنية لأسلوب الأداء وتشخيص الثغرات ومتابعة لاعبي الدوري أو دراسة وتحليل المنتخبات المنافسة.
باختصار، دعونا نبحث للمناصب عن الأشخاص المناسبين لها، ونعيد لمسة الوفاء لكل الكفاءات التي آثرت الانزواء بعيداً عن مسالك التودّد والعلاقات، وقد يكون حديثنا عن الدكتور حارس مثالاً للكثير منهم، برغم أننا لا نعلم صدقاً إن كان يوافقنا الطرح أم لا ، لكن لا بدَّ للحق أن يقال!