علي حسين
قبل أيام كنت أقرأ خبراً يقول إن فتاة أمريكية تعاني من مشكلة صحية حيرت الكثير من الأطباء حيث أن ذاكرتها تعيد ضبط نفسها كل ساعتين، ووصل بها الحال أنها لا تتذكر الناس الذين قابلتهم في نفس اليوم. وقال الأطباء إن الفتاة تعاني من مرض اسمه "ذاكرة السمكة" التي يقول العلماء إن صاحبتنا السمكة تعاني الضعف في مسألة الذاكرة .
تذكرت السمكة وذاكرتها وأنا أشاهد اللقاء مع رغد صدام حسين حيث حاولت من خلال ذاكرة مثقوبة أن تعود إلى المشهد.. ونسيت ما جرى للعراقيين منذ عام 1980 وحتى هذه اللحظة.. نسيت كل هذا وراحت ترتدي ثوب "الديمقراطية" الزائفة، تنتقد ما يجري في العراق اليوم، وتنسى أن ما جرى في زمن "القائد الضرورة" كان الأساس لما يحدث اليوم من فوضى.. وبذاكرة السمكة تتوهم أن نظام حكم "أم المعارك" كان طيباً بل وودودا ولم يعتقل أحداً، ولم ينتهك حريات العراقيين، ولم يفجع العوائل بأبنائها في حروب عبثية كانت غايتها الأولى أن يتحول صدام إلى "سيف العرب"، وكانت أبرز " منجزات" هذا السيف أنه غزى بلداً عربياً وسبى أهله تحت شعار " تحرير فلسطين يمر عبر الكويت" .
رغد صدام التي عاشت في زمن أبيها خلف الكواليس، لا تستطيع أن تتفوه بأي تصريح أو تشارك بأبسط نشاط اجتماعي، تتحدث اليوم عن الحرية التي كان العراقي ينعم بها، ونسيت صاحبة " ذاكرة السمكة" أنها كانت أول من تمتع بهذه الحرية عندما قرر صدام أن يقتل زوجها أمام الناس .
الغريب أن صاحبة "ذاكرة السمكة" ما أن ظهرت على شاشات الفضائيات حتى تحسس ساستنا كراسيهم، وكأنها ستعود لتحكم العراق من جديد.. ونسوا أن تمثال صدام سقط في ساحة الفردوس قبل 18 عاماً.. سيقول قارئ عزيز: صحيح أن التمثال سقط ، لكن أحزاب التغيير أنشأت تماثيل جديدة لساسة اعتبروا التغيير ماركة خاصة سجلت بأسمائهم.. لا مفاجأة ياعزيزي القارئ أن يشعر جميع العراقيين بأنهم خدعوا وأن المسؤول العراقي لا يريد ان يغادر زمن " العنجهية " الفاغة .
يكتب الحائز على نوبل للآداب وول سوينكا: "تعلمت أن لا أثق أبداً في سياسي"، وأعتقد أن العراقيين اليوم وبعد 18 عاماً من القتل والدمار وسرقة ثروات البلاد لا يثقون بالساسة، مثلما لا يصدقون رغد صدام عندما تقول إن والدها منع عليهم شرب " البيبسي" بسبب الحصار.
بعد 18 عاما لا بد ان ؤمن ان بناء هذا البلد لايتم عبر الكره والضغينة والانتهازية .إننا، أيها السادة، نعيش الآن، صراع الوجود لا صراع المظلوميات والطائفية. وفي نهاية هذه المعركة ثمة طريقان: أما بلاد تسعى للمستقبل، واما الاستمرار في البحث عن أصحاب "ذاكرة السمكة".