علاء المفرجي
المخرج العراقي قاسم عبد، استسلمت لديه المدن لفوضاها وتمرد ناسها، حتى صارت مدناً أخرى تتمرد على هويتها كما في فيلمه (همس المدن)، ومثلما تجمعت قسوة الظروف زمن الدكتاتورية العائلية، لتفرقهم في زمن (الرخاء) لأسباب شتى كما في فيلمه (حياة ما بعد السقوط).
فنحن في فيلم (مرايا الشتات) أمام أربعين عاماً من غربة صعبة لأناس أصبحوا مع هذا الزمن يُروِّضون معاناتهم هذه لتكون قدرهم في العيش بأرض ليست أرضهم ومع ناس ليسوا ناسهم.. فاختيار الشخصيات والتي جميعها تمتهن الرسم والنحت.
وهي عودة أخرى لقاسم عبد لموضوعه الأثير وهو المنفى ومعاناته، لكنه سيتناول في فيلمه هذا أثر الأعوام التي خلفتها سنوات الشتات على مجموعة من الحيوات قريبة منه واختارها بعناية وقصد في أماكن متفرقة من العالم.
وعلى نفس الإيقاع ولكن من صورة تبدو غريبة يجيء فيلمه الجديد عن غائب طعمة فرمان الذي أطلق عليه (غايب، الحاضر الغائب ) والذي حدثني عنه في مكالمة هاتفية من لندن وهو تحت رحمة الحظر من وباء كورونا، هذا الفيلم الوثائقي القصير عن الروائي العراقي غائب طعمة فرمان والمبني على مقابلة قصيرة كان قد صوّرها لتجريب كاميرا 16 ملم مستعملة كان قد اشتراها عندما كان طالباً يدرس بمعهد السينما في موسكو سنة 1980، وبمساعدة أصدقائه الفنان فواد الطائي والصحفي والإعلامي سلام مسافر أجرى مقابلة مع فرمان .
وبسبب ظروف التنقل والترحال فقد قاسم هذه المقابلة وبعد أربعين عاماً ظهرت للوجود بشكل غير متوقع ولهذا قرر أن يعمل شيئاً عن غائب الذي غاب عنا ولكنه ما زال يعيش معنا.. فقد وجدت علبة الفيلم محفوظة لكل هذه الفترة مع عادل العبيدي أحد أصدقاء الروائي وبطل روايته “ المرتجى والمؤجل”.
هذا هو ملخص القصة أو الفيلم الذي استعاده واستعاد معه ذكرياته يوم كان قريباً من غائب طعمة فرمان في موسكو، مثلما استعاد أيام دراسته السينما في مدينة الثلج هذه.
لكنه فاجأني في هذه المكالمة بلقيا أخرى تتعلق بمحاضرة لغائب في قاعة الكوفة مسجلة بالكامل يوم زار لندن، فاستضافته القاعة بتقديم الشاعر العراقي الرائد بلند الحيدري.. ويمكن أن يكون ذلك مشروعاً لفيلم طويل يتعلق بهذا الرمز العراقي الخالد.
واختيار فرمان أثار مجدّداً قضية إهمال هذا الرمز الأدبي الكبير، الراحل قبل 30 عاماً الذي لم يذكره القطاع الرسمي، ولم يُكرَّم، ولم يتذكّره أحدٌ في الوسط الثقافي من أبناء بلده. بل لا حضور بارزاً له في مواقع الأدباء العراقيين، رغم أنّ تَذكُّر الأعلام دليل حضاري على رقي المجتمع، ونضج مؤسّساته.
فقد استعاد قبله المخرج فاروق داود بوثائقي جميل حمل عنوان “ذكرى وجذور” وهو مساهمة أخرى لهذا المخرج في إبراز دور فرمان في الأدب العراقي، متناولاً في 40 دقيقة جانباً من سيرته في الوطن والغربة (موسكو أيضاً).
جميع التعليقات 1
حسين ثامر بداي
انه النخلة العراقيه في النخلة والجيران تناول مهم وسلس ومناشدة انسانية لمبدع حقيقي سلمت وابدعت