طالب عبد العزيز
ونحن نتصفح السير الشخصية لصنّاع التاريخ الإنساني، غالباً ما نقع على حياة مفرطة في واقعيتها لرجال دين وسياسة وثقافة وغيرهم، هناك مخلوقات آدمية بكل معنى الكلمة، تطالعنا بين الصفحات، لهم حياتهم العامة والخاصة، التي تشبه حياتنا في معظم مفاصلها،
حياة تتساوق معنا في السلوك والعادات والأكل والشرب، وفي ما يرتدي أصحابُها من الثياب وما يحصل لهم في مناسبة ما، وفي وقوعهم بين جادتي الصواب والخطأ، ضمن نظام أو بلا نظام، خارج المركزيات التي تُرسم لهم، أو تفرضها طبيعة الحياة العامة والبروتوكولات، وبمعنى آخر هناك فسحة من الحرية، قد تكون أكبر مما كان مخططاً لها.
بلغ تندر البعضُ أقصاه يوم ظهر الرئيس حيدر العبادي وهو يعيد ترتيب بنطلونه، أمام الكاميرات، خلال زيارته لإحدى الدول، وكذلك فعلوا مع السيد الكاظمي، في المشهد الذي ظهر فيه مع أوردوغان، وهو ينظّم له ياقة قميصه، شخصياً لا أجد في الصورتين إلا مما نقع فيه جميعاً بمناسبة أو بأخرى، بل ويقع فيه من العالمين من هم أرفع درجة منّا، ولا يخلُّ بشخصية أحد منهم، إنما هي مما ينال الإنسان في كل مكان وزمان. ترى، لماذا نطالب المسؤول بحياة وسلوك بلا أخطاء؟ ومن أين أتت الصورةُ الكاملة، المرسومة في أذهاننا عن رجل السياسة والدين والثقافة أحياناً ؟
برأيي فأن الصورة المركزية للنبي والائمة والأولياء هيمنت على المخيال العربي- الإسلامي هيمنة كاملة، بعد حذف المدوّن العربي أخطاءهم كلها، فتقدموا لنا بالصورة الملائكية، الإلهية تلك، وبما أخرجهم آدميتهم، التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان بعامة، ولو بقيت الصورة المثالية هذه بحدود النبي والائمة لكان ذلك هيّناً، لكنها انسحبت على كل شخصية عامة في مجتمعنا، ولعل ما وقع على رجل السياسة كان الأبلغ والأثقل، وبذلك عانى مؤرخ الخليفة والأمير والوالي في رسم الصورة القريبة من القديسين لهم، الأمر الذي جعلنا لا نعرف شيئاً عن حياة معاوية الخاصة إلا أنه كان كاتباً للوحي، وهرون الرشيد إلا أنه حجَّ أربعين مرة، وجمال عبد الناصر إلا زعيماً قومياً نادراً، وعبد الكريم قاسم صورة في القمر، اللهم إلا من خصوم لهم كتبوا ما لا يمكن التحقق منه.
تخلو ثقافتنا المكتوبة عن هؤلاء من عناصر التشويق، فلا حياة استثنائية ومفارِقة، وليس هناك من احتدام في علاقة حب على سبيل المثال، أو لحظات غير مالوفة، ولا خرق لقاعدة اجتماعية، ولا نعرف أكثر من أنَّ سيف الخليفة كان يقطر دماً أوالرئيس قتل مئةً بمسدسه، وتآمر على فلان، ونكّل بفلان. المكر والقتل والانفراد بالسلطة هو كل ما نقرأه عنهم، فلا نساء في حياتهم، وليس هناك علاقة حب نادرة، حياة تخلو من أيِّ سلوك انساني مشرّف، وخارج كل ما له صلة بالثقافة والفنون.
أستذكر عاصفة الحب العارمة التي اقتلعت قلب الزعيم الشيوعي الحديدي تروتسكي وذهبت به الى قلب الفنانة المكسيكية، الرسامة فريدا كالو، هلّا تذكرنا جوزفين ونابليون، هتلر وإيفا براون، سارتر وديبفوار و و. أقول هذا وأنا في بلاد محتدمة، عريقة في ثقافتها وسياستها مثل العراق، ترى ماذا عن الحياة في الدول الميتة سريرياً منذ قرون كالتي في الخليج؟ حيث لا يتجاوز كتبة التاريخ حدود سير الهجن في سباقات اجتياز الربع الخالي.
جميع التعليقات 2
عراقي مهاجر
عظيم. اشكرك على معالجه هذا الموضوع المهم. اه لو ان مقص الرقيب يسمح لك بالتعمق اكثر. تاريخنا العربي المسموع والمكتوب يجيد غسل الادمغة فقط.
كاظم مصطفىe
لم نستلم من التاريخ العربي الاسلامي سوى تاريخ الخلفاء والسلاطين والامراء طيلة 1450 عام اما تاريخ الشعوب و معاناتهم وعيشهم وادبهم وفنونهم فالمؤرخون اعتبروا الشعوب حاجه مش ولا بد لا قيمة لذكرهم .