قراءة علاء المفرجي
يقدم الروائي والشاعر والناقد الفلسطيني «إبراهيم نصر الله» في الطبعة الثانية من كتابه «صور الوجود:
السينما تتأمل» وهي طبعة مزيدة ومنقحة للطبعة الأولى التي كانت قد صدرت في نهاية العام 2007 ضمن سلسلة (آفاق السينما) فجاءت الطبعة الثانية (صور الوجود: السينما تتأمل) قراءة لثمانية أفلام أخرى ضمن هذا المحور أراد من خلالها الكاتب أن يبرز أهمية دور السينما في احتضان أسئلة الأدب، مدعومة بالتطور التكنولوجي،
الذي جسدها أمام أعيننا بعبقرية فذة وهو يخرجها من الكلمات ومن الخيال برؤية فنية عالية وقدرة استثنائية على الربط بين مشروع السينما ومشروع الأدب في طرحهم وتأملهم لقضايا الحياة والموت، الوجود والعدم، الجريمة والعقاب، الحب والكراهية، الحرية والعبودية، الحقيقة والخيال، العدالة والظلم، في كل تلك الثنائيات التي أرقت البشر جاءت السينما لتفكر وترينا كيف تفكِّر، وتسأل وترينا مدى السؤال، وتجيب وترينا الإجابة وعبثيتها متكئة في ذلك على الأدب فيقول: إننا نعيش في تلك المنطقة من الحد الفاصل بين تلك الثنائيات فيتسرب طرفا تلك الثنائيات الواحد إلى الآخر ليخلق مساحة أخرى، هي «المساحة الإنسانية» التي يختبر بها البشر روحهم ويتأكدون من أرضيتهم ويعثرون على أخطائهم ومساحات تمردهم، علاقاتهم بأنفسهم وبالآخر، مع الواضح الذي يصبح مجهولاً كلما اتضح، ومع المجهول الذي كلما أوغل في غموضه لإثبات حقيقة حضوره أوجد مساحة أكثر اتساعاً تتصارع فيها هذه الثنائيات.
في هذا الكتاب نقف عند الكيفية التي تأملت فيها السينما الوجود البشري وأسئلته على هذه الأرض؟ و كيف استطاعت التعبير عن أزمات هذا الوجود و هي تفتح أفقاً جديداً و واسعاً يؤاخي بين شرعية السؤال وحيرة الإجابة. الإجابة التي ما تلبث أن تتحول الى سؤال.. و هكذا؟! ليس ثمة انقطاع هنا بين مشروع السينما ومشروع الأدب في تأمّلها لقضايا الحياة والموت. الوجود والعدم، الجريمة والعقاب، الحب والكراهية، الحرية والعبودية، الحقيقة والخيال، العدالة والظُلم، وكل تلك الثنائيات التي طحنت القلب البشري و أشقت الوعي و هي تمضي به في دهاليز لا نهاية لها؛ وكلما أدرك هذا الوعي ضوءاً انطفأ، وكلما لاحت له واحة تبدّدت كالسراب الذي كان يحتضنها لقد بقيت (مغامرة العقل الأولى) كمغامرته الثانية والثالثة والرابعة، والى ما لا نهاية، حقلاً خصباً لتوالد التأملات، في كل هذه الثنائيات التي بقدر ما تبدو ذات خطوط واضحة ونحن ندعوها باسمها، بقدر ما تكمن كينونتها في هشاشة الحدود الفاصلة بينها، كما لو أن فكرة الحدّ، او الخط الفاصل، ما هي إلا معضلةُ وهزيمةُ أولئك الذين تصوّروا ذات يوم أنهم حين وضعوها قد ختموا كلّ قول وبدّدوا كلّ التباس. في هذه المنطقة التي يذوب فيها الخطّان الفاصلان ويندمجان، أو يذوب الخط الفاصل، نعيش، ويتسرب طرفا هذه الثنائيات، الواحد إلى الآخر، لتخلق مساحة أخرى، هي المساحة الإنسانية التي يختبر فيها البشر روحهم، ويتأكّدون من أرضيّتهم، ويعثرون فيها على أخطائهم ومساحات تمردهم؛ علاقاتهم بأنفسهم و علاقاتهم بالآخرين، و علاقاتهم مع الواضح الذي كلّما اتضح أصبح مجهولاً أكثر، و مع المجهول الذي كلّما أوغل في غموضه لإثبات حقيقة حضوره، أوجد مساحة أكثر اتساعاً تتصارع فيها هذه الثنائيات.
عن هذا الاختيار هذه المجموعة من الأفلام يقول نصرالله: “لعل المختارات من الأفلام تشكل جزءاً من فكرة هذا التأمل، وهي أفلام في معظمها متاحة للجميع تقريباً، وهذا أمر مهم، لتأمل أفلام غير متاحة أبداً، لن تصل بالقارئ الى أي شيء، وعكس ذلك يعني أن تتحول الكتابة الى وصف دقيق لكلمة تفاحة، لا التفاحة ذاتها التي عرفناها وتذوقناها وأحسسنا بها.”
من فكرة الاختيار الى معضلة الكائن وهو يلعب أدواره، دوراً بعد آخر في مسيرة حياته، بحيث يختلط القناع بالوجه أو يتلاشى الوجه ويبقى القناع، الى تلك المساحة المربكة بين الفراديس وجحيمها، وصولاً لاجتماعية الفرد وفردية المجتمع، وتلك المسافة الملتبسة، بين الجريمة والعقاب، بين المجرم والبريء وعبث القوة المطلقة بالمصائر، وفكرة العدالة عن ذاتها، ومن فكرة آلية البشر أمام إنسانية الآلة، وتلك المسافة الفاصلة بين واقعية الخيال وخيالية الواقع، أو بين جدوى الخيال ولا جدوى الحقيقة.