TOP

جريدة المدى > عام > ماتياس أندرسون..الكتابة من زاوية أخرى!

ماتياس أندرسون..الكتابة من زاوية أخرى!

نشر في: 28 فبراير, 2021: 09:20 م

د. حسن السوداني

تشغل موضوعات النصوص المسرحية المحللين والنقاد عندما يتناولون بالبحث والتحليل تلك المجتمعات التي تُبرز كتاباً مثل ماتياس أندرسون ،

الكتاب المسرحي السويدي المعاصر والذي جمع بين الكتابة والتمثيل والإخراج المسرحي, ولد عام 1969 في مدينة غونتبيرغ ونشأ فيها مواصلاً دراسته هناك ليبدأ كممثل في كلية الأوبرا السويدية في غونتبيرغ ومثل العديد من المسرحيات على مسارح المدينة المختلفة. عُرف كاتباً مسرحياً مع ظهور مسرحيته (خارج أكاذيب البحر) التي يصور فيها العلاقات الاجتماعية بطريقة تراجي-كوميدي مبيناً السعي المستحيل للجمال المطلق, هذه الطريقة ميّزت ماتياس في أعماله الأخرى ووضعت له بصمة خاصة في الكتابة المسرحية التي تتناول طريقة الاتصال العميق بالمتلقين أثناء العرض المسرحي وتوظيفه الحاذق لقصص الشباب والغوص عميقاً في مشكلاتهم اليومية وغالباً ما يغلفها بجو من الكوميديا ليجعلها أسرع وصولاً للجمهور الذي يمنحه مساحة جيدة للربط بين الوقائع والأحداث.

كتب عنه أحد النقاد (إن نصوص ماتياس أندرسون تنفذ للأعماق عند قراءتها وتصل بك الى القمة وتتدفق بيسر في معالجة الشخصيات والمواقف, لغتها الخالية من الثغرات تجمع بين الكلمات وموسيقى الجاز والراب), أما ماتياس أندرسون فقد كتب عن أعماله المسرحية قائلاً: ( اعتقد أن من الضروري أن لا اكتب عن الأشياء التي تشغل بال الجمهور الآن, فتلك الأشياء تدور حولهم ويمكنهم رؤيتها, كما لا أتوقع أن أضع حياتي الخاصة كجزء من التعبير عن الأحداث كما استخدم ذلك لارش نورين* وسترنبيرغ*من قبل).

في معظم أعماله المسرحية تسود الكوميديا كأسلوب مهيمن على الجو العام رغم ما تكتنف تلك النصوص من روح تراجيدية واضحة أهلته لأن يكون أحد الكتّاب البارزين في هذا النمط من النصوص, ففي مسرحيته (بالونات) يعتمد التراجيديا التاريخية عبر ثلاثة رجال في متوسط العمر يحاصرهم الفشل والإحباط , غير أن أحدهم يمتلك حلماً بتغيير الواقع المرير ويفكر بأخذ خطوة حقيقية باتجاه التغيير ليكتشف في نهاية الأمر أن القصور سببه ترددنا نحن وأن تغيره بيدنا لكن الأمر يحتاج إلى تضحية, وهنا تطلق المسرحية تساؤلها الأخير عن من لديه الاستعداد للتضحية؟

في مسرحيته الأخرى التي حملت عنوان( الجريمة والعقاب ) يحاول ماتياس أندرسون استعادة أحداث الرواية الشهيرة التي تحمل العنوان ذاته لرواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ويسقطها على الواقع اليومي المعاش متسائلاً عن إمكانية أن يكون المجرم بيننا واحتمالية تعاملنا معه دون أن نعلم بذلك.

هذه الثيمة ستعود مرة أخرى في عمله الذي حمل عنوان ( جريمة, عمل مع كبار السن, عقاب, مال. قتل متقاعد (ليتناول حكاية الفتاة ليلى صاحبة العشرين عاماً التي تحصل على وظيفة رعاية العجوز مارتا التي تتحرك بواسطة الكرسي المتحرك, لكن أمّ ليلى بحاجة ماسة للمال لتدعوها العجوز مارتا الى إقراضها مبلغاً مالياً مقابل رهن بعض ما تملكه من حاجات ثمينة لتستمر الحكاية في تتبع شخصيات أخرى قريبة من ليلى ومارتا يشتركون في حاجتهم للمال لتقودنا الوقائع في النهاية لحدوث الجريمة.

ماتياس أندرسون في هذا العمل يواصل البحث عن مشكلات الشباب الاجتماعية بطريقة واقعية مثيرا العديد من الأسئلة عن أسباب وقوع الأخطاء والجرائم في صفوفهم.في مسرحيته التي حملت عنوان ) القطاع العام يتشوق الى شيء ما وراء) يناقش ماتياس أندرسون حالات الكراهية والملل والجنون والتكرار في المجتمع وعلاقة ذلك كله بالقطاع العام والخاص في السويد مؤكداً على معالجة هذه المشكلات في ضوء نظرة تحليلية كوميدية ثاقبة.

يعمد ماتياس في مسرحيته ( الضعف ) الى تناول موضوعة الاضطهاد التي يعاني منها بعض الطلبة والطالبات في المدارس السويدية لأسباب مختلفة تتعلق بطبيعة الحياة المدرسية, وتدور الأحداث لتحكي قصة تخييم في غابة لمجموعة طلبة أحدهم يدعى (مارتن) يعاني من موضوعة الاضطهاد من قبل زملائه ويفكر بالانتقام اعتقاداً منه أن لا شيء سيحدث أسوأ مما حدث سابقاً لكن مجرى الأحداث يتغير في نهاية الأمر عندما يبدأ الطلبة بالعمل الجماعي والشعور المشترك بين الجميع. كما في أغلب أعماله يبحث ماتياس عن مناطق أخرى من الموضوعات ويدخلها في جو المسرح العام ومنها مسرحيته ( المنتقى) حيث يعمد الى استجلاب الذكريات كثيمة محددة داخل النص مشتغلاً على ما تسببه من تراكمات تؤثر بشكل حقيقي على حياة الإنسان وتعامله مع الآخر خاصة إذا كان الآخر يشترك معه في تلك الذكريات, وهي ثيمة أخرى لا يغفل عنها المؤلف ويوظفها في مسرحية استقطبت الكثير من النقاشات بعد عرضها.

قضايا المجتمع ومشكلاته الاقتصادية نجدها في مسرحيته التي حملت عنوان (الأشياء التي نسجتها النجوم ) حيث يطرح موضوعاً آخر لايقل أهمية عن تلك الموضوعات التي تناولتها مسرحياته السابقة وبطريقة كوميدية متقنة تدور حول أربعة أشخاص من العاطلين عن العمل يجذبهم إعلان غريب عن بيت مهجور في عمق إحدى الغابات لتبدأ مجموعة الأسئلة بالانهيال حول مكنون ذلك البيت ومن يسكنه ومدى ارتفاعه وهل هو مزحة مثل (الكاميرا الخفية) أم حقيقة ؟ تدور أحداث المسرحية بطريقة ماتياس التفاعلية مع الجمهور مغلفة بالكثير من السخرية أما مسرحيته (الحُكم) والتي تدور أحداثها عن حريق مأساوي في مرقص ليلي في مدينة غوتنبيرغ السويدية حيث يتناول المؤلف حياة الناس في الضواحي و نضالهم من أجل احترام الذات و فهم المجتمع التي تصطدم بالكثير من القيم السائدة داخل المجتمعات لتشكل مادة خصبة لنشوء النزاعات بين الجماعات والأفراد.

موضوعة الماضي هي موضوعة أخرى تناولها ماتياس بما فيها من ذكريات ومواقف وصعوبات تتجلى بالعمل المسرحي (قبل ذلك) الذي تدور أحداثه في مدرسة تعليم الكبار وحول الشخصية الرئيسة لرجل قادم من إيران متقاعد جراء العجز والمرض, يكشف ماتياس أندرسون في هذا العمل وبطريقة كوميدية مثيرة أن البشر من جميع الأجناس والفئات يشتركون بحالات الضعف والقوة والبؤس والشفقة عبر سلسلة من المواقف المتقنة التي تثير في المشاهدين الضحك حتى لو كان كالبكاء.

في مسرحياته الأخرى (عاطفة يوحنا, والاتصال مع الله, والملك الصغير ماتياس وكي ام ار) يستمر ماتياس أندرسون في تناول الموضوعات التي تهم طبيعة المجتمع السويدي وما يعيشه من حراك ثقافي بمختلف فئاته العمرية وخاصة الأطفال والشباب الذين اهتم بهما أندرسون كثيراً في كتاباته المسرحية حتى أوصت لجنة نقاد المسرح في السويد بضرورة أن يقرأ كل الأطفال في السويد مسرحيته (الملك الصغير ماتياس LILLE KUNG MATTIAS.)

ترجمت أعمال ماتياس إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية والصربية والكرواتية والنرويجية, الهولندية, الرومانية, المجرية, البولندية. الدانماركية. ومثّل السويد في الكثير من المحافل المسرحية في العالم كما دعي في ست مناسبات خلال الاعوام 1998 - 2001 إلى العاصمة الأردنية عمان والى مدينة الإسكندرية المصرية لعقد ورش عمل في الكتابة المسرحية للعاملين في المسارح المحترفة من العالم العربي. وحصل خلال مسيرته الفنية على العديد من الجوائز والمنح داخل السويد والدول الأوروبية منها جائز إبسن عام 2007 وجائزة نقاد المسرح في نفس العام .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram