علي حسين
منذ أن أعلن بابا الفاتيكان رغبته في زيارة العراق، انطلقت أصوات نشاز تطالبه بعدم وضع قدمه في هذه البلاد، فيما لا تزال جهات مسلحة "مسنودة " تصر على أن هذه البلاد تستحق الصواريخ أكثر من استحقاقها زيارة رجل دين بحجم البابا فرنسيس..
وخرج علينا البعض ممن يضربون كفا بكف وهم يقرأون أن الرجل الثمانيني سيقطع مئات الكيلومترات متحدياً فايروس كورونا وصواريخ "المجاهدين" وعبواتهم، لأنه يريد أن يزور مسقط رأس النبي إبراهيم . يريد السادة الـ" تكنوقراطات" أن يثبتوا للبابا أن هذه البلاد لم تكن يوماً أرضا لإبراهيم، بل البعض سخر من البابا لأنه طلب قبل عام من رئيس الجمهورية برهم صالح هوية عراقية تعرفه على أنه سليل النبي إبراهيم.. فهل يعقل أن هناك شخص يريد أن يصبح عراقياً؟!.. ونسي البعض أن هذه البلاد بنيت بمشقة رجال كبار من أجل أن تكون جرماً مضيئاً في مدار الأُمم، لا مساجلة ومعركة بين سفير طهران وسفير أنقرة ، في الوقت الذي خرج فيه " مفكر " يطالب بطرد البابا من العراق لانه يخالف كل الرسالات السماوية ،وان زيارته للعراق لن تكون تاريخية .
طُرد المسيحيّون من ديارهم في العراق، وقُتلوا بدم بارد، فيما تنازع على حريّة الناس في بلاد الرافدين نوعان، الأول يشرّع قوانين تحوّل الإخوان المسلمين إلى زعماء لأحزاب مدنية، والثاني يضحك عليهم بفتاوى من عيّنة لا تجوز تهنئة المسيحي والصابئي في أعيادهما ، فيما لا يزال البعض مصراً على أن نعيش مع صرخات عامر الكفيشي الذي يروج لبضاعة منتهية الصلاحية شعارها "الدولة المدنية كفر وإلحاد"، فيما هناك من يؤيد "الفتوى الداعشية" التي أطلقها مفتي الديار العراقية "مهدي الصميدعي" بعدم تهنئة المسيحيين العراقيين في أعيادهم، لأنّ هذا "حرامس".
ان صورة البابا وهو يتمشى في اور، هى الصورة التى يحتاجها العراق الآن ، وينبغى أن نبحث عنها ونثبتها ونجذرها فى أعماق الجميع.، العراق بلد التسامح ، وبلاد الالتقاء الحميم بين كل الأديان والثقافات والحضارات ، ومن ثم فنحن الآن أمام استحقاق وطنى وحضارى واجتماعى، فى لحظة تبدو مواتية للغاية لكى يتصالح العراق مع نفسه، ويسترد شخصيته التى ضاعت وانمحت بفعل سلسلة من الجرائم السياسية والطائفية، التي تريد لهذه البلاد ان تدور في فلك دول الجوار .بلاد الرافدين الآن عليها أن تقوم من تحت ركام الطائفية ، إكراما للرجل الذي قرر ان يطلق صوت التسامح فيها.
يا أبناء بلدي الطيبين في كل بقاع العالم ، وأنتم تشاهدون البابا وهو يصلي في أور، لا تنسوا العراق وهو يلوذ بكم حاملاً صليبه.
يا أبناء بلدي من كل الطوائف، العراق سينتصر في النهاية، وسنردد جميعا " الدين محبة".