اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الكرملي في سيدة النجاة

العمود الثامن: الكرملي في سيدة النجاة

نشر في: 5 مارس, 2021: 09:33 م

 علي حسين

عندما سينكبّ المؤرخون في غدٍ قريبٍ على كتابة تاريخ هذه السنوات العصيبة التي عاشها العراقيون.. سيتذكرون حتماً أن رجلاً يبلغ من العمر خمسة وثمانين عاماً اسمه البابا فرنسيس، قطع مئات الكيلومترات ليقول للعراقيين الذين أثقلتهم هموم البرلمان وتقلبات الساسة وصراع أصحاب السلاح بيد الدولة:

"إنني متضامن معكم، أنا هنا بصفتي تائباً أرجو المغفرة لكل هذا الدمار وحاجّاً يحمل السلام، فلنضع حداً لانتشار الأسلحة في كل مكان ولنوقف المصالح الخاصة ولنعط مجالاً للتسامح".. حيث ستروى من خلال رحلته حكايات العراق.. البابا فرنسيس حمل السلام معه، لكن البعض سخر من هذه الزيارة، بل ذهب أكثر من ذلك حين طالب العراقيون بعدم الترحيب بالزائر الكبير.. وأنا أنظر إلى وجه البابا فرنسيس يلقي كلمته في كنيسة النجاة، تذكرت كل الآباء الذين منحوا هذه البلاد بركاتهم، واختلطت ّ ملامحهم بملامح هذه الارض ، ولاح لي وجه الأب أنستاس الكرملي وهو يبتسم ، مطمئنا من ان غراب الشر لن يتمنوا من سرقة تاريخ هذه البلاد .

لم يكن الكرملي مثقفا جامعا للطوائف والمكونات العراقية فحسب، بل كان قادراً على التعريف بالعراق ونقله الى أفاقأوسع وأرحب، كان هذا القس واحدا ممن صنعوا الثقافة العراقية في مرحلة حاسمة من تشكل الوعي، وقد كان أثره طاغيا،و بصماته واضحة، نظر للإسلام بوصفه التجلي الحقيقي لعبقرية اللغة العربية، ولذلك كرس كل جهده لخدمتها.

مازلت أتذكر المرة الأولى التي شاهدت فيها صورة "أبونا" الكرملي، كان ذلك في عيادة الطبيب ألبير حكيم التي كنت أتردد عليها بصحبة والدي حيث يستقبلنا الحكيم ألبير بابتسامته الرقيقة والسمحة وببركات سيدنا المسيح التي يمنحها لزواره وبعلمه الغزير الذي يشفي به مرضاه، هناك وقعت عيناي على صورة لرجل عجوز تغطي لحيته المساحة الأعظم من وجهه وحين سألت الطبيب عنه قال إنها صورة "الأب أنستاس الكرملي"، اعتقدت حينها أن الكرملي هو والد الطبيب ألبير ما دام يسميه بـ"الأب"، بعد سنوات أصابتني الدهشة وأنا أرى اسم الأب الكرملي على أعداد من مجلة لغة العرب حصلت عليها من إحدى المكتبات لأكتشف أن صاحب الصورة واحد من بناة النهضة الحديثة في العراق، استطاع من خلال مجلته "لغة العرب" ومجلسه الشهير في كنيسة اللاتين أن يؤسس لثقافة عراقية حديثة مع نخبة من تلاميذه وأصحاب التفوا حوله.

يخاطب البابا فرنسيس العراقيين قائلا :" إن الصعاب جزء من حياتكم اليومية، أنتم المؤمنين العراقيين. فقد كان عليكم وعلى مواطنيكم، في العقود الأخيرة، أن تواجهوا عواقب الحرب والاضطهاد، وهشاشة البنى التحتية الأساسية، وأن تناضلوا باستمرار، من أجل الأمن الاقتصادي والشخصي " . وقال الكرملي لمصطفى جواد "وأنا أكتب تاريخ العراق ، اكتشفت أن هذا الشعب دائماً ما يتغلب على مصاعبه ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

 علي حسين درس العلامة جواد علي أخبار وأحداث ابن الأثير وحفظها واطّلع على معظم ما كتب عنها وكل ذلك في إعجاب شديد وحب صادق، وكان جواد علي ابن الكاظمية يعرف أن الموصلي "...
علي حسين

بيانات جديدة عن حالة الأمن الغذائي في الشرق الأوسط: ثلاثة بلدان في المنطقة تعاني من المجاعة بينها العراق

د. فالح الحمـراني أظهرت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة معدلات عالية بارتفاع نسب المجاعة وسوء التغذية، فضلا عن أعراض مثيرة للقلق للغاية تتعلق بزيادة نسبة السكان الذين يعانون من السمنة. ويرجع هذا الاتجاه...
د. فالح الحمراني

نظرة في الميدان السياسي العراقي.. إلى أين يفضي؟

عصام الياسري أسفرت انتخابات مجالس المحافظات العراقية في ديسمبر كانون الأول 2023، عن مكاسب كبيرة للأحزاب الطائفية الماسكة منذ العام 2003 بالسلطة. وبضعة انتصارات طفيفة فقط للقوائم المناهضة للمؤسسة ولم تفز الأحزاب السياسية المعارضة...
عصام الياسري

التعديل والأهلية.. جدل الفقه الجعفري مع قانون الأحوال الشخصية في العراق

علي المدن مرة أخرى تفشل مساعي تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق بعد أن سبقتها محاولة أولى عام 2017 تقدم بها النائب حامد الخضري. وكما أعلنت تحفظي في المرة الأولى، وكتبت مقالين نشرتها في...
علي المدن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram