طالب عبد العزيز
تمكنت وسائل التواصل من انتشالنا من وحدتنا، التي تسبب بها الوباء، حتى بتنا لا نشعر بالأيام والأسابيع، التي أمضيناها أسارى البيوت، فقد أمّنت الشبكة العنكبوتية مسار علاقاتنا مع العائلة والاصدقاء والعمل أيضاً، ولعلنا سنقول بأنَّ لا أحد بيننا يعلم حجم الغربة، التي سنقع فيها، لو أننا لم نكتشف بعد الانترنت، بفروعه وتشعباته التي صارت متاحة حتى لأكثرنا جهلاً وأمّيةً.
عبر صفحات الفيسبوك- أكثر الوسائل تداولاً عند العراقيين- بتنا نعرف أكثر عن أهلنا وأصدقائنا في الداخل والخارج، نقرأ ما كتبوا قبل دقائق، ويقرأون ما نكتب. صورنا، أصحاء ومرضى، ناجحين ومخفقين، قبل النوم وبعده، طعامنا وطعامهم، ما نلبس ويلبسون.. كل ذلك، في ممارسة شبه يومية جعلت منا في مجتمع واحد، وإن تناءت الأرض، وبعدت المسافات، وقد تراجعت في ذلك أعقد الوسائل الحكومية، وضعفت من خلالها قواعد التحكم في نقاط الحدود، وبصورة أدق صارت صفحاتنا هي صورتنا الكاملة، عند بعضنا، وصارت الأمزجة والعادات والسلوك تُقرأ من خلال ما نكتبه وننشره من صور ومواد أخرى، وبمعنى ما : أقرأ صفحتك فأعرفك.
عبر هذه، وفي لحظات ما صرنا نذهب لصفحة فلانة وفلان، بحثاً عن ما هو سار ومفيد وجميل، مثلما صرنا نعزف عن الذهاب الى صفحات فلانة وفلان لأنها مزعجة، وفارغة واحترابية أحياناً. وحسن فعلت وتفعل إدارات المواقع هذه، حين تقوم بحجب بعض الصور والمواد المكتوبة، التي تسيء للذوق العام، وتتقاطع مع تطلعات النفس الإنسانية، وهنا، سنكون بحاجة الى رفع القبعات الى الكثير من صديقاتنا وأصدقائنا، الذين تسابقوا الى منصة الجمال، وحرصوا على أن تكون صفحتهم الأغنى دائماً، فلا يعرضون إلا ما هو نافع وباهر وإنساني، وبما يغنينا عن البحث، فهم يختصرون لنا آيات ومعاني الجمال في أغنية، أو في صورة شخصية، أو قطعة من الموسيقى، لكانهم عرفوا حاجات نفسونا، المحاصرة والمتطلعة للمباهج حيث وجدت.
نعم، الصفحة الشخصية ملك صاحبها، وهي خاصته، لكنَّ البعض لا يعي معنى الملكية هذه، للأسف، وتراه ينشر ما لا يعرف وقعه في نفس الآخر، المتصفح، فصورته وهو ينهض من النوم مغمض العينين، أو وهو بزيٍّ غير محتشم، أو ظهوره في مجلس خارج اللياقة لا تعني عنده شيئاً، ومشاهد إيذاء الحيوان، والشجار بالسكاكين، والدهس، وإطلاق النار ، وترويع الناس، وصورة البندقة والدم والقتل و... لا حساب لها في مخيلته. ترى، ما ذنب الآخر، الذي يطالعك وصفحتك على الحال هذه؟
نحن بحاجة الى فهم لآلية التعامل مع الآخرين، عبر الصفحات هذه، انا أكتب ما أراه ويمثلني، لكنْ بحدود ما يتاح لي، وكل تجاوز لا يعدُّ حريةً. نحن نشترك في الحياة هذه، وغايتنا أن نكون سعداء، كل كلمة محسوبة، وكل منشور يحمل أثراً، ويرسل رسالةً، فلتكن رسائلنا للخير، وصورنا بما يعزز من وجودنا أحياء، أما ما يتوجب الحديث عنه، فله قواعده وأصوله، فليرفق بنا أصدقاؤنا، لا نريد مزيداً من الخسارات، فقد صديقٍ بكبسة زرٍ أمر يسير عند البعض، لكنه مكلف عندنا والله.