ثائر صالح
نمر اليوم على قصة أحد الموسيقيين غير المعروفين، هو الأميركي لويس مورو غوتشالك (1829 – 1869) الذي ولد في نيو اورلينز، عاصمة موسيقى الديكسيلاند والجاز متعددة الجذور والمنابع.
غوتشالك ذاته متعدد الجذور، فأبوه أشكنازي الأصل قدم من لندن، أما امه فهي هجينة من أصل فرنسي – هايتي. تعرف غوتشالك في طفولته على أنواع من الموسيقى أثرت في أعماله لاحقاً، مثلما انصهرت الموسيقى الأفريقية والكاريبية والأوروبية عموماً في نيو أورلينز. قدم أول حفلاته في الحادية عشرة، ثم سافر بعد عامين الى باريس ليدرس في كونسرفاتوارها الشهير لكنه لم يُقبل فيه بسبب اعتبار أستاذ البيانو بيير زيمرمان الأميركيين لا يصلحون للموسيقى. وهذه نظرة غريبة، يبدو أن أوروبا لم تعترف بوجود حياة موسيقية في الولايات المتحدة، رغم جهود الموسيقيين الذين هاجروا من أوروبا اليها ليأسسوا مع الموسيقيين المحليين هناك حياة موسيقية ازدهرت لاحقاً، منهم الألماني يوهان كريستيان غوتليب غراوبنر (1767 – 1836) الذي أسهم بتأسيس الجمعية الفيلهارمونية في بوسطن (وهذا موضوع يستحق البحث بشكل منفصل). لذلك درس غوتشالك البيانو عند كامي ستاماتي والتأليف عند بيير مالدون وهما أشهر معلمي الموسيقى في باريس ، بنى غوتشالك لنفسه سمعة كعازف ماهر ومؤلف متميز خلال سنوات تواجده في باريس. كان يقدم الحفلات في الصالونات الراقية، وقدم ذات مرة حفلاً عاماً في 1845، ليزوره شوبان في الكواليس حتى يقول له: أعطني يدك يا ابني، أتنبأ بأنك ستصبح ملكاً على عازفي البيانو! أما برليوز فاعتبره "يمتلك كل سمات القوة المميزة لعازف البيانو". من ناحية ثانية كانت أعماله للبيانو تحمل بصمات موسيقية جديدة في أوروبا الرومانتيكية: بصمات موسيقى المستعبدين في أمريكا الذين قدموا من أفريقيا وأميركا اللاتينية بتنوع الحانها وإيقاعاتها، مما أثار اهتمام الأوروبيين بها. في هذا المقام تعتبر موسيقاه سبّاقة لظاهرة موسيقى الجاز التي تأثرت كثيراً بالتقاليد الموسيقية الأفريقية.
قام بجولات ناجحة في فرنسا وسويسرا واسبانيا واشتهر في نفس الوقت بعلاقاته النسائية، ويبدو أن تركه أوروبا وعودته الى الولايات المتحدة في 1853 كان بسبب واحدة من تلك العلاقات مع سيدة من الأرستقراطيين. رافقه هذا النمط من الحياة حتى الأخير، عندما اضطر لترك الولايات المتحدة بسبب مغامرة أخرى في كاليفورنيا، هذه المرة مع شابة يافعة من أوكلاند سنة 1865. صعد إلى أول سفينة مغادرة ذهبت به الى أمريكا الجنوبية، ولم يعود بعدها إلى الولايات المتحدة أبداً. تنقل بين أميركا الوسطى واللاتينية ليقدم عدداً كبيراً من الحفلات. لكنه توفي في ريو دي جانيرو بعد اصابته بالملاريا سنة 1869، فقد انهار وهو يقدم أحد أعماله (بعنوان Morte، أي توفيت) ليسقط في غيبوبة ويفارق بعد ثلاثة أيام وعمره لم يتعدى الأربعين.
كان من مؤيدي الاتحاديين (أي الولايات الشمالية)، فقد قضى فترة الحرب الأهلية الأميركية يقدم حفلات في الولايات الشمالية ليعزف بعض أعماله الوطنية، وقد حضر أبراهام لنكولن حفلاً له في 1864. تصفه مجلة غرامافون المعروفة بأنه „بين أكثر الشخصيات الموسيقية تنوعاً في تاريخ الموسيقى، مذكراته „ملاحظات عازف بيانو” بمرتبة رواية تنبض بالحياة”، ألف الكثير من أعمال البيانو الغنائية وبعض الأعمال للأوركسترا منها سيمفونيتين، وأوبرا واحدة.