د. فالح الحمـراني
يحتفل العالم هذا العام باليوم العالمي للمرأة في 8 آذار للمرة 110. يُعد هذا العيد في روسيا ، أحد أكثر الأعياد المحبوبة، حيث تجري الاحتفالات به على نطاق واسع ، على الرغم من أن محتواه قد تحول : من احتفال أيديولوجي للمرأة - الرائدة في الإنتاج والناشطة اجتماعياً- إلى يوم «الحب والقيم الأسرية»، واعترافاً بدور المرأة في المجتمع والبيت وإدارة الدولة .
وتعترف به الأمم المتحدة كتاريخ لا يُنسى. لكن لماذا جاءوا بفكرة الاحتفال بهذا اليوم ، ولماذا بالضبط في 8 آذار؟ هل هي عطلة أم احتجاج؟ وماذا عن اليوم العالمي للرجل. ومثل الأول من آيار( مايو)، خرج الثامن من آذار من رحم الحركة العمالية وله جذور أميركية.
جاء موعد 8 آذار للحركة اليسارية الدولية من روسيا. في عام 1917 ، في مثل هذا اليوم ، بدأ إضراب عمال مصانع النسيج في مقاطعة فيبورغ في بتروغراد بمطالب “الخبز والسلام!” ، التي تحولت إلى ثورة. بعد أسبوع تنازل الإمبراطور عن العرش.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975 يوم 8 آذار يوماً للاحتفال بإنجازات المرأة في جميع مجالات الحياة والاحتجاج على بقايا عدم المساواة. وتعود جذور الاحتفال الى عام 1908 حين تظاهرت 15000 امرأة في نيويورك للمطالبة بخفض ساعات العمل ، ورفع الأجور، وتوسيع حقوق التصويت (في معظم الولايات ، حصلت عليها النساء في عام 1920 ، عندما تم تمرير التعديل التاسع عشر لدستور الولايات المتحدة). وفي العام التالي، اقترح الحزب الاشتراكي الأميركي جعل آخر يوم أحد من شهر شباط هو يوم المرأة العاملة.
اقترحت الناشطة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية الشهيرة كلارا زيتكين في مؤتمر عقد في كوبنهاغن في آب 1910، ، إعلان يوم دولي للنضال من أجل المساواة والتحرر للمرأة. وأيد حوالي مائة مشارك من 17 دولة الفكرة بالإجماع ، في عام 1911 ، وجرى الاحتفال به لأول مرة في ألمانيا والنمسا والمجر والدنمارك وسويسرا. ولم تذكر كلارا زيتكين تاريخاً محدداً. وكانت مظاهرة نيويورك التي بدأ منها كل شيء في 28 شباط. وأقيم أول احتفال بيوم المرأة في ألمانيا في 19 آذار لإحياء ذكرى ثورة آذار 1848 في بروسيا، ثم جرى الاحتفال بيوم المرأة في بلدان مختلفة في 2 و 9 و 12 آذار ، وكذلك في 2 و 12 آيار.
لقد دخلت كلارا زيتكين وهي إحدى أشهر الناشطات في الحركة الاشتراكية والنسائية الألمانية والدولية، في تاريخ القرن العشرين ، ليس فقط كشيوعية نشطة ، ولكن أيضاً كمصلِحة، لعبت دوراً مهماً في تشكيل الحركة الأوروبية لحقوق المرأة. وفي العهد السوفياتي ، كانت ميزة زيتكين الرئيسة كونها صاحبة اقتراح يوم المرأة العالمي.
ولدت كلارا زيتكين، في عام 1857 في بلدة ساكسون الصغيرة في ويدراو في عائلة مدرس ريفي. وبرزت كلارا بالفعل في سن مبكرة بين أقرانها باجتهادها وذات ذاكرة عميقة: ، قرأت الفتاة في سن التاسعة كل أعمال غوته وشيلر، وقامت بتلاوة قصائدهما، وفي الثانية عشرة قرأت مقتطفات من تاريخ الثورة الفرنسية من قبل المؤرخ توماس كارلايل.
بينما كانت لا تزال طالبة في مدرسة لايبزيغ التربوية « وهي مؤسسة تعليمية مرموقة، بدأت في حضور اجتماعات سرية للديمقراطيين الاجتماعيين ، وفي عام 1878 انضمت إلى حزب العمال الاشتراكي ، الذي أعيد تسميته فيما بعد بالحزب الاشتراكي الديمقراطي لألمانيا. وفي الوقت نفسه ، التقت بشريك حياتها المستقبلي، المهاجر الروسي الثوري أوسيب زيتكين ، والذي قريباً اضطرت للهجرة معه إلى زيورخ، هرباً من اضطهاد الاشتراكيين في ألمانيا.
وانتقلت عائلة زيتكين في عام 1882 الى باريس ، حيث واصل اوسيب و كلارا الانخراط في أنشطة الحزب. لقد كسبا رزقهما من خلال الترجمة والنشر في الصحف الديمقراطية الاجتماعية ، رغم أن الأجر كان ضئيلاً ، وكان لكلارا ولدان قامت بتربيتهما بعد وفاة أوسيب في عام 1889 من مرض السل. وعلى الرغم من أن كلارا لم تسجل زواجها مع أوسيب رسمياً ألا أنها حملت كنية زيتكين لسنوات عديدة
النضال من أجل حقوق المرأة
شاركت كلارا زيتكين أثناء إقامتها في فرنسا ، بنشاط في إعداد وعمل المؤتمر التأسيسي للأممية الثانية في باريس عام 1889 ، حيث ألقت كلمة حول دور المرأة في النضال الثوري. وبعد أن توقفت ألمانيا عن اضطهاد الاشتراكيين الديمقراطيين ، عادت كلارا إلى وطنها ، حيث بدأت في عام 1892 في شتوتغارت في إصدار صحيفة «المساواة» التي تعني بشؤون المرأة وقضاياها.
في عام 1907 ، أصبحت كلارا زيتكين رئيسة قسم المرأة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، حيث دافعت مع روزا لوكسمبورغ عن حقوق متساوية للمرأة ، تقرر في المؤتمر الدولي للاشتراكية في كوبنهاغن في عام 1910 ، بناءً على اقتراح زيتكين، الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ، الذي تم توقيته لاحقاً ليتزامن مع ذكرى مظاهرة العمال في شركات النسيج في نيويورك في 8 آذار 1857.
في عام 1917 ، بسبب معارضتها للحرب العالمية الأولى ، عزلت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيتكين من منصبها في مكتب تحرير صحيفة المساواة. وشاركت في نفس العام ، في تأسيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي المستقل ، وبعد إنشاء الحزب الشيوعي الألماني في كانون الأول 1918 ، دعت بنشاط إلى دخول العمال - أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي للالتحاق في صفوفها.
الملاذ الأخير - الاتحاد السوفيتي
جرى من عام 1920 إلى عام 1933 ،انتخاب زيتكين باستمرار كعضو في الرايخستاغ نائبة عن الحزب الشيوعي ، بينما ترأست في الوقت نفسه الأمانة العامة للمرأة في الكومنترن. وفي عام 1920 ، زارت كلارا زيتكين الاتحاد السوفيتي لأول مرة ، حيث التقت بزعيم ثورة اكتوبر فلاديمير لينين وزوجته نديجدا كروبسكايا. وفي السنوات اللاحقة ، غالباً ما كانت زيتكين تزور موسكو للمشاركة في مؤتمرات الكومنترن. وكانت لديها علاقات ودية مع لينين وكروبسكايا.
وفي تموز 1932 ، عندما فاز الاشتراكيون القوميون بأغلبية في البرلمان الألماني نتيجة الانتخابات المبكرة للرايخستاغ ، كانت كلارا زيتكين في موسكو. وبصفتها العضو الأكبر سنًا في الرايخستاغ ، كان لها الحق في افتتاح الجلسة الأولى للدعوة الجديدة ، وعلى الرغم من تعرضها لوعكة صحية، فقد عادت إلى برلين ، حيث ألقت خطاباً نارياً حول خطر النازية ودعت إلى إنشاء الجبهة الموحدة المناهضة للفاشية. وبعد حظر الأحزاب اليسارية في ألمانيا ، هاجرت زيتكين إلى منفاها الأخير ، هذه المرة إلى الاتحاد السوفيتي.
وتوفيت كلارا زيتكين في 20 حزيران 1933 في مقاطعة أرخانجيلسك بالقرب من موسكو عن عمر يناهز 76 عاماً. وحضر مراسم جنازة الثورية الألمانية 600 ألف شخص. تم وضع رماد رفات زيتكين في صندوق في جدار الكرملين بالميدان الأحمر في موسكو.