إياد الصالحي
بقدر ما يستقطب صراع القِمم في جميع دوريات كرة القدم بالدول المتقدّمة اهتمام انصارهم من مختلف القارات للاستمتاع بتفنّن نجومه الكبار مع الكرة وترقّب طٌرق تسجيل الأهداف الساحرة، فأنه يضع اعتباراً أخلاقياً يُحافِظ على نظافة التنافس، ويُلزِم احترامه من الجميع، لأنهم أمثولة نموذجية لهواة ومحترفي اللعبة سواء كلاعبين أم مدربين.
مضى 46 عاماً على لقاءات الكلاسيكو بين فريقي الزوراء والقوة الجوية، وشتّان ما بين أول لقاء احتضنه ملعب الشعب الدولي يوم الخميس الحادي عشر من أيلول 1975 وبين اللقاء الثمانين في الملعب ذاته يوم الخميس الحادي عشر من آذار2021، كل شيء تغيّر في سلوك وأداء اللاعبين الى الدرجة التي فقد الكلاسيكو التاريخي بريق الإثارة تكتيكياً بعدما سَرقت المُشاحنات كل الأضواء، فلم تبقَ للصراع أية قيمة فنية تصلح للتحليل واستخلاص النقاط الفنية للاستدراك والمعالجة، وأنهمك حتى الإعلام في شجون المُخاصمة واشعال الحرائق لكسب ودّ أحد الطرفين، من دون أن ننتبه لخسارة اللعبة الفادحة قيم فلسفة اللعب ومردود عطاء الفريقين والتحضير المتناسب كما يفترض مع أهمية اللقاء.
لم يترك أيّ من الفريقين لمحات إيجابية تُضفي على القمّة الكبيرة أوصاف الإبهار، فقد خذلا أنصارهما بعرضٍ رتيبٍ لا يَنمُّ عن استعداد جدّي بقدر انجرار اللاعبين وراء الصِدامات الثنائية الى درجة انعدام التوازن في حالات مؤسفة حَسناً فعل الحكم الدولي محمد سلمان التعامل معها بإشهار الكارت الأحمر بوجه اللاعب إبراهيم بايش ثاني لاعب في القوة الجوية يتعرّض للطرد (د.78) في كلاسيكو الموسم، بعد كرار نبيل الذي طُرد (د.83) في لقاء الذهاب يوم الأثنين 23 تشرين الثاني 2020، مع أن تفاعل إبراهيم سلبياً لحظة تسجيله هدفه بإشارة (ذبح الرقبة) لم يكن لها أي مبرّر، ويتوجّب على الهيئة التطبيعية التأكيد على جميع الفرق المشاركة بتثقيف لاعبيها عن طرق لائقة للاحتفال تحظر تلك الإشارة وغيرها.
اصابتنا الدهشة حقاً، أن يدخلَ مدرباً مثل أيوب أوديشو في مُماحكة عنيفة مع الحكم (د.80) كان فريقه متقدّماً بهدفين في الدقيقتين (46و75) فقد إثرها مكانه في المنطقة الفنية بعدما تم طرده، فخبرة أوديشو ليست قليلة بوجوب احترام قرار الحكم، وصراحة كنّا نتوقّع أن حراجة الوقت ربّما تدفع المدرب راضي شنيشل للانفعال تعبيراً عن خيبة أمله في لاعبيه، لكنّه كان مسترخياً وبسَّاماً ليس استسلاماً للنتيجة، بل لإيمانه بصعوبة اللعب تحت الضغط مع غريم تقدّم مرّتين دون أية محاولة للرد عليه حتى لو كانت خجولة!
هناك مؤشّرات مُلفتة إيجابياً، برغم ترّقُبِنا صراعَ كلاسيكو النجوم وليس الخصوم، فالمرّة الأولى منذ تفشّي جائحة كورونا نشعر بقيمة قرار الفيفا والهيئة التطبيعية بمنع حضور الجماهير، وإلا لسجّل اللقاء خرقاً في المدرّجات لا يُحمد عقباه في ظلّ شراسة بعض اللاعبين في المُدافعة وسوء التصرّف لاستخلاص الكرة وحالتي الطرد، دون أن نبخس حق مشرف المباراة حازم محمد علي المتخصّص بضبط تحدّيات الأندية الكبيرة في الدوري بإرشاداته وتنسيقاته وفرضه الإجراءات الضبطية في كل جُنبات الملعب وحُسن تناغمه الإداري بتطبيق اللوائح لتعزيز استقرار أداء طاقم التحكيم.
المكسب الفني في المباراة هو انسجام اللاعب الدولي الأردني إحسان حداد (27عاماً) مع لاعبي القوة الجوية، ومُباغتته شباك النوارس بهدف ولا أروع قدّم من خلاله شهادة احترافه الناجح كصفقة مهمّة للصقور قادماً من فريق الفيصلي الذي شهدت مباراته مع الوحدات في نصف نهائي درع الاتحاد الأردني 2021 يوم الثلاثاء 9 آذار الجاري لفتة انسانية ودرساً بليغاً يسمو بالروح الرياضية للنشامى وأسرة الكرة في العالم، حيث أشارت الزميلة (الغد) الى دخول أثنين من لاعبيه هُما سالم عجالين وأحمد العرسان غرفة تبديل ملابس فريق الوحدات بعد انتهاء المباراة لمصافحة لاعبه أحمد سمير، واعتذرا له عمّا بدر من احتكاك معه أثناء اللعب، وحظيتْ مبادرتهما بعاصفة من التصفيق، وتناسى الجميع صراع القمّة وتعانقوا فيما بينهم كالفُرسان، مُلتزمون بأخلاقيات التنافس الرياضي وتوعية الأجيال الناشئة.