رعد العراقي
منذ أن اقتحمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أسوار الحياة، والصحافة الورقية تعاني غياب الاهتمام، وخلت رفوف المكتبات العامة من جمالية تعدّد الصُحف، وكثرة الروّاد عليها بين قارئ عابر للعناوين، وبين مُتيّم شغوف لاقتنائها والتمتّع بمطالعتها مع فنجان القهوة وأنغام فيروز الصباحية..
طقوس لا يعرف قيمتها إلا مَن عاش زمن ومُتعة الصحافة الورقية التي كانت شاهداً على ثقافة ورُقي شعب يقطع من قوت عائلتهِ ليشتري يومياً نُسخ من الجرائد التي كانت لا تُغطّي الطلب في بعض الأحيان قياساً لنسبة ما يتم عرضه.
الصحافة الرياضية المقروءة لم تكن استثناءً، ونالت نصيباً من التجاهل وفضّلتْ العزوف عن مجازفة تحدّي عالم الثورة العلمية المجنون، فأغلقت الصُحف الرياضية المتخصّصة أبوابها، واكتفت بالظهور الخجول عبر صفحات بعض الصحف الرئيسة، واضطرّت الكوادر من الصحفيين الرياضيين للبحث عن أعمال أخرى وخوض تجربة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو الاكتفاء بالتواصل مع القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية لديمومة ظهورهم وعرض نتاجاتهم.
جيل كامل من الرواد ومن خلفهم عوائل سُدَّتْ أمامهم منافذ الرزق، وجيل شبابي أيضاً حُرِم من ميزة التعايش واكتساب الخبرة والممارسة الفعلية لعمله، كانت نتيجة كل ذلك أكثر من 200 صحفي رياضي لا يجدون الفرصة أو مصدر يؤمّن حياتهم المعاشية، ففقرت المهنة بحسابات المردود المالي، وتقطّعت أواصر التدرّج الوظيفي لها، ولا غرابة حين تظهر مشاهد مؤلِمة للتناحر والخلافات بين الصحفيين الرياضيين، وانقلاب في فلسفة الولاء المهني لصالح ربّ العمل، فحين تضيق منافذ العيش لا خيار إلا التشبّث بأية فرصة وإن تطلّبت أن يكسر الصحفي قلمه الأصيل ويشحذ بدلاً عنه سيف التودّد والمجاملة ليقطع به كلّ من يعارضهُ أو ينتقد عمله!
مع كل هذا الغياب الإجباري للصحافة الرياضية عن ملامسة فكر القارئ لما تطرحه من مواضيع ورؤى وأفكار تسهم في تطوير الرياضة العراقية تصطدم مرة أخرى بتجاهل البرامج الرياضية برغم كُثرتها في خوض تجربة التصفّح لها وعرضها لإعادة ميزة التلاقح الفكري بين الكاتب والقارئ (المشاهد) وهو إجراء يضمن بقاء فرصة الحياة للصحافة الورقية ويدعم جهود العاملين بها أيضاً إلا أن الاستثناء الوحيد محلياً هو ما أقدم عليه الزميل محمد صبري الذي أبدع في إعداد برنامج (جريدة ونت) من خلال قناة العراقية الرياضية يتناول كل ما يصدر من الصحافة الرياضية من مواضيع ومقالات أسهمت في نشر التواصل والتعريف بالصحفيين الرياضيين ولو كان هناك تقييماً حقيقياً لحصد البرنامج الجوائز لقيمته الفكرية العالية، كما هو الحال خارجياً في برنامج (جرايد) الذي يعدّهُ الزميل باسم الرواس لقناة الكاس القطرية.
في جلسة حوارية جمعتني بوزير الشباب والرياضة السابق الدكتور أحمد رياض والزميل إياد الصالحي، طرحتُ تساؤلاً : ما هو مصير مئات الصحفيين الرياضيين ممّن لا يجدون فرص العمل، وخاصة بعد توقّف رواتب الزملاء العاملين في جريدة (الملاعب) وما ذنبهم في وجود إشكاليات بالتخصيصات المالية ومسالِك الصرف في اللجنة الأولمبية، وهل يُعقل أن يظلّ هذا الكيان رهن الهُبات والمساعدات؟ لفتت انتباهي جزئية في حديث الوزير حين بيّن أن هناك إمكانية لأنشاء صُحف رياضية متخصّصة تعمل وفقاً لنظام استثماري من جهات وشركات داعمة يمكن أن توفّر فرص عمل كثيرة وسيولة مالية مستقلة! ولا نعلم لماذا لم تمضِ الوزارة في تنفيذ هذا المشروع وإيجاد فرص عمل لعديد الصحفيين، خاصة إن ذات الرؤية طبّقت في دعم عدد من الاتحادات الرياضية من قبل الوزير الحالي عدنان درجال حين تم إبرام عقود دعم ورعاية لهم، بينما حُجبت تلك الامتيازات عن اتحاد الصحافة الرياضية الذي يُدير أموره بجهود ذاتية دون ميزانية مستقلة أو تخصيصات مالية طارئة، وحتى التي كان يحصل عليها من اللجنة الأولمبية فأنها توقفت منذ الأزمة الأخيرة للجنة! لكنّه آثر بتحمّل سياط العوز والتمسّك بهيبة المهنة المقدّسة على أن يستعطف أو يرمي بمنديل الولاء والطاعة لمن يمنَّ عليه بأموال لخزينتهِ!
باختصار.. إن الصحافة الرياضية لها جذور راسخة وتاريخاً ناصع البياض، إلا أن حقوق الصحفيين فيها ضائعة، ولا نريد أن نذهب بالظنون الى حيث تفسير ما يجري على أنه محاولة لإخضاعها لنظام الولاءات المتعدّدة بدلاً من تثبيت استقلاليتها أو تهميشها لغايات نفسية تجعلها عاجزة عن أداء دورها الإصلاحي والرقابي الحقيقي!