TOP

جريدة المدى > عام > تشيخوف في الصين

تشيخوف في الصين

نشر في: 15 مارس, 2021: 09:45 م

أ.د. ضياء نافع

الكتابة عن تشيخوف في الصين تعني الكتابة عن تاريخ ترجمات نتاجاته الى اللغة الصينية , ومن ثمّ , كيف تقبّلها القارئ الصيني بشكل عام وكيف تناولها النقد الأدبي الصيني بالذات ,

وهل هناك انعكاسات أو تأثير- ما لتلك الترجمات على مسيرة الأدب الصيني نفسه , ومن نافل القول , إن الحديث الشامل عن كل هذه الجوانب الواسعة والمتنوعة يتطلب عملاً كبيراً لمجموعة من المتخصصين في الأدب الروسي والصيني معاً , ولا يمكن طبعاً لمقالتنا هذه أن تتناول كل هذه الجوانب المتنوعة , إلا أننا نظن, إن التوقف عند هذا الموضوع ولو بشكل وجيز جداً , أو حتى الإشارة الى معالمه الاساسية ربما يكون ممتعاً وطريفاً للقارئ العربي

وذلك لأن الموضوع جديد بكل معنى الكلمة لهذا القارئ , وهذا أولاً , ومن المحتمل أن يكون مفيداً أيضاً له , وهذا ثانياً , لأن هذا القارئ يهتم بالأدب العالمي وعلم الادب المقارن , وهذا يعني طبعاً , الاهتمام بموقع أعلام الأدب الروسي خارج روسيا , وتفاصيل هذه العملية الإبداعية ...

الخطوة الأولى لمسيرة تشيخوف (1860 – 1904 ) في الصين ابتدأت بترجمة لإحدى نتاجاته عام 1907 ( أي بعد وفاته بثلاث سنوات ) وعن اللغة اليابانية , ولكن الغريب بالأمر , إن أول نتاج مترجم له الى الصينية هي القصة الطويلة – ( الراهب الأسود ) , وتشغل هذه القصة مكانة خاصة جداً في إبداع تشيخوف , و تعدّ عملاً فنيّاً متميّزاً جداً في تاريخ نتاجاته الأدبية , وقد كتبها تشيخوف عام 1893 , ويتمحور مضمونها حول ( مرض الروح الإنسانية ) كما أشار الكثير من الباحثين الروس آنذاك, ولا زالت هذه القصة الطويلة لحد اليوم تثيرمختلف النقاشات حولها , إذ لم يتم الاتفاق حتى على تحديد جنسها الأدبي , إذ يسميها البعض ( رواية قصيرة) (بوفست بالروسية) , ويسميها البعض الآخر ( قصة )( رسكاز بالروسية) , ونحن نميل الى تسميتها ( قصة طويلة ) , إذ إنها تقع في حوالي 30 صفحة بطبعتها الأولى , وفي كل الأحوال وبغض النظر عن كل هذه النقاشات والتباينات حول ( الراهب الأسود ), فانه لا يمكن بتاتاً اعتبار هذه القصة نموذجاً ساطعاً لأدب تشيخوف كما يراه العالم ويتقبله في الوقت الحاضر, إذ لا يمكن أن نجد هناك تلك الأجواء التشيخوفية ( إن صحّ التعبير), التي اشتهرت في قصصه أو مسرحياته بشكل عام , ولا نعرف السبب , الذي جعل المترجم الصيني هذا آنذاك أن يختار هذه القصة بالذات ويقدمها الى القارئ الصيني , الذي لم يكن يعرف عندها أصلاً من هوهذا الكاتب الروسي تشيخوف , وربما يمكن توضيح ذلك السبب بالاجتهاد الشخصي لهذا المترجم وإعجابه الذاتي ليس إلا , إذ أن هذه القصة ذات طابع فلسفي , وتتداخل فيها عناصر الحقيقة مع الخيال , وتمتزج في صياغتها أجواء الرمزية مع الواقعية... وهكذا ابتدأت مسيرة تشيخوف في الصين , وقطعت خمسة مراحل بأكملها كما يشير الباحثون في هذا الموضوع كافة . ترتبط هذه المراحل طبعا بتاريخ الصين نفسه منذ بدايات القرن العشرين , مروراً بحركات التحرر من السيطرة اليابانية , ثم انتصار الثورة وإعلان جمهورية الصين الشعبية (1949) ومسيرتها وأحداثها المتنوعة ( لنتذكر فقط الثورة الثقافية وكتاب ماوتسي تونغ الأحمر , الذي طبعوا منه أكثر من 800 مليون نسخة !!!) , وصولاً الى حركات الإصلاح الجذرية , والتي أدّت الى أن تشغل الصين الآن هذا الموقع المتقدم عالمياً وفي الميادين المختلفة كافة . كل هذه المراحل جعلت من تشيخوف في نهاية المطاف واحداً من أكثر الأدباء الروس ( وليس فقط الروس ) انتشاراً وشهرة بالصين في الوقت الحاضر , وترتبط هذه المراحل ( كما حدث ذلك في عالمنا العربي ) بلغات وسيطة عديدة قام المترجمون الصينيون بترجمة نتاجات تشيخوف عنها في بداية هذه المسيرة الطويلة , منها اليابانية والإنكليزية , الى أن وصلوا بعدئذ الى لغة تشيخوف نفسها , أي الروسية , وأخذوا يترجمون نتاجاته الى اللغة الصينية عن الروسية مباشرة , ومن قبل المتخصصين الصينيين أنفسهم , الذين درسوا اللغة الروسية وآدابها ( في عقر دارها ! ) , وأبدعوا في دراستهم ( وقد شاهدتهم شخصياً أثناء دراستي هناك وأشهد على ذلك ) , ونتيجة لتفوقهم هذا , جاءت الثمار باهرة جداً في إغناء الحركة الأدبية بالصين , وحصل تشيخوف على واحدة من (حصص الاسد!) في بستان هذه الثمار , إذ توجد الآن المؤلفات الكاملة لتشيخوف باللغة الصينية في ( 27) مجلداً ( وهذا شيء لم يحدث حتى في أكثر الدول ازدهاراً في العالم ولحد الآن !!!), إضافة الى عشرات الكتب الصينية الأخرى لقصصه ومسرحياته , والتي صدرت قبل مجموعة المؤلفات الكاملة وبعدها أيضاً , والى العديد من الكتب النقدية باللغة الصينية , التي كتبها المتخصصون الصينيون أنفسهم , أو التي ترجموها الى الصينية , وكلها تتناول دراسة إبداع تشيخوف وخصائصه الفنية.

لقد سألوا مرة فنانة صينية كانت تؤدي دوراً في مسرحية ( بستان الكرز) لتشيخوف باحدى مسارح بكين – من هو تشيخوف بالنسبة لها ؟ فاجابت رأسا - إنه المعلّم, الذي يقول لنا دائماً - (... في الانسان كل شيء يجب أن يكون رائعاً – والوجه , والملابس , والروح , والأفكار...) , ولهذا, فاننا نقول له دائماً – شكراً يا انطون بافلوفيتش ....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram