TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > أقبل الزمن المستحيل

أقبل الزمن المستحيل

نشر في: 21 مايو, 2010: 04:23 م

ها همُ اجتمعوا يطلبون بِكَ الفرحَ المستحيلْ  أنت يا نبعَ دمعٍ ، وتاريخَ حزنٍ  تعالَ ادّعِ الفرح المستحيلْ  زوّرِ الليلَ ، أخرجْ من الكمّ شمساً  ومن جرحك القاتم اسحب ضياءَ الصباح الجميلْ 
ها همُ اجتمعوا : جهّزوا لك السرج والفَرَسَ ،  استقبلِ الشوطَ ،  فالفرسُ الدميةُ استقبلت شوطها والصهيلْ  ها همُ مِعَدٌ للطعام ، وأعصابهم أُسرجت للتَعَبْ  ها همُ اجتمعوا أعيناً هُيِّئت للدموعِ  حناجر فارغة جُهِّزت للعويلْ  فابدأ الرقصَ كي يحلموا أنهم يَعْزفونْ  وابدأ الندب كي يحلموا أنهم يحزنونْ  واختتمْ بالصراخ لكي يحلموا أنهم يغضبونْ  إبكِ واضحك وسرْ في تخوم الجنونْ  أنت آخر فهدٍ : فغابات مجدك أضحت صحارى  وجموع توالت تطارد جنسك حتى الإباده  أنت آخر فهد، وأنت الذي لم يُروَّضْ  وهم خلعوا الناب والمخلب الدمويّ  جلودَ الفهود ، ارتدوا لُبَد الهِرَرَه  أنت آخر فهد طريد وحولك يجتمع السَحَرَه  سوفَ تبقى لمتحفهم رمزَ وحش فناه الزمانْ  وستترك حراً وحيداً  بأعماق سجن كبير بدايته في الولاده  سوف تبقى ويجتمع السائحونَ  لكي يشهدوا الوحش، كي يألفوا منظره  سوف تضحي لهم لعبةً :  يطلبون التثني ونوم العجوز وحلم الصبيّه  وتُلبّي بغير إراده  ويَلمونَ باسمك مالاً من البَرَرَه  ها همُ اجتمعوا وأحاطوك بالحبِّ  إذ عميت مقلتاك عن المجزره  ها همُ اجتمعوا :  هل ستقوى على كلمة الحق في وجه نَخّاسهم  قل لهم كيف أُرسلتَ للحرب ،  كيف وصلت التخوم ولم تلقَها  كيف فتّشت عنها الخنادق ؟  كيفَ تجاوزتَ خلف خطاها الزَمَنْ  قل لهم كيف عدتَ وحيداً  ولم تَرَ في أرض دارك أرض الوطن  قل لهم كيف لم يقنعوك  حين قالوا بأن طيوراً تحوّم كلَّ مساء  وتَنْقَضُّ تخطفُ بين مناقيرها تربةَ الأرض  تسرق لحم الضحايا  وتترك في الرمل أشلاءهم  ودماء اغتصاب السبايا  قل لهم كيف صدقت كي لا تموت الحكايا  وضحكت كي لا تجن ، فأتقنت ضحكتك الماكره  كيفَ كنت تلوح سعيداً  وأنت ترى تربة الأرضِ  تركض دون رياح ودون سيولْ  كيف أقنعهم بالذي كذبوا  حين قدَّمت من كتب الجن طيراً عجيباً  يشيل الحدود  وينفض كالقمل من جانحيه الخيول  كيف أبصرت أرضاً تزوّر  كيف تحولت الجنة الآن مثل الجحيم  كيف تهمس صبحاً مساء لنفسك هذا العذاب المقيم :  أنتِ يا طعنة في الصميم  إسمك القدس لا أورشليم؟  انض عنك الملابس، أظهر لهم بصمات اللصوص  وضرب السياط  ولا تخش أن يدعوا الشهوة الماجنه  كلهم ماجنُ العين والقول، لكن خصيٌّ  عذوبة صوت الديوك  تخبئ بين العروق دم العنّة الآسنة  أصبح الحس إسفنجة تشرب العار  ترخيه بعد قليل هدوءاً ونوماً  أصبح المر طعماً أليفاً  وفي النوم يمتد صوت المنبه حلما  لم يموتوا : فهم ينزفون رجالاً وأرضاً  ويبكون باسم اللياقة بين الجنائزِ  يمضون حتى المقابر  لم يدركوا أنهم يدفنون  غلفوا فلتة الأمر منهم وأخفوا القلوب الطعينه  ثم كزّوا وأدموا الشفاه وغنوا الأغاني الحزينه  من سترثي هنا؟  أي ميت عزيز ستبكي؟  أيا متقناً لغة الموت خاطبْ بها الميتين  واجتهد أن تواريَ ما اعتدت في لحظات العذاب العظيم  أنتِ يا طلقة في الجبين  هل يرد الرصاصة عني جبيني الحزين؟  أنتِ يا طعنة في الصميم  إسمك القدس لا أورشليم؟  كل عار بدمعة صمت، وكل البلاد بإطراقة من حزين  لم يعد ماء دجلة عذباً، ولا النوم في الغوطه الحالمه  صدم الحر قضبانه: عرف الأرض زنزانةً  لم يعد في الشوارع غير الزحام بلا بشر  وبلا ظلمة بقيت قاتمه  لم تعد تجلب الريح من بيدها غير هذا الغبار بلا تربة  غير هذي الغيوم بلا مطر  غير هذا الصهيل بدون خيول  ووجوه بغير عيون نفتِّحها ،  كيف ننجو من النار ؟  كل العيون ارتمت نائمه  لم يعد في الزمان سوى تكتكات عقارب مشلولة لا تطيق المسير  ليس هذا زماناً : هو الوقفة العائمه  ليس هذا زماني وليس زمان الضمير   تحت أي لواء سأشهر سيفي؟  وأي لواء يكفنني في النهاية؟  ما الذي يفعل السيف والغمد ضاع  وسيفيَ أضحى وشايه؟  من يخبئ سيفاً وظل الخليفة في كل أرض يطوف؟ [  ليس هذا زماناً هو الزمن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram