TOP

جريدة المدى > عام > كتاب الاحد: من اللوحة إلى الشاشة.. عن المرجعيات التشكيلية للقطة السينمائية

كتاب الاحد: من اللوحة إلى الشاشة.. عن المرجعيات التشكيلية للقطة السينمائية

نشر في: 20 مارس, 2021: 09:34 م

قراءة: علاء المفرجي

يقول الناقد السينمائي جوزيف ماشيللي: التكوين الجيد هو ترتيب العناصر المصورة في وحدة مترابطة ذات كيان متناسق» ..

لتبدأ هنا عملية التكوين مع بداية تحديد موقع الممثل أو قطعة الأثاث، أو الاكسسوار. والمطلوب عند تحديد وضع الممثلين وحركتهم داخل المنظر الحصول على أفضل تأثير ممكن لدى جمهور المشاهدين.

ومن هذا المنطلق يأتي كتاب الباحث نصير حيدر لازم الصادر عن دار العلى، (من اللوحة الى الشاشة) الذي يبحث المرجعيات التشكيلية للقطة السينمائية.. باعتبار أن التكوين في الصورة السينمائية، يتناول اشتغالاً مقارباً لدور التشكيل لأنه يهتم بوضع الصورة عموماً في الفنون المختلفة، وما التكوين إلا أحد العناصر المهمة والأساسية في صنع اللقطة السينمائية.

فالسينما هي الفن الجامع لكل الفنون، حيث تمثل السينما من حيث المبدأ ملتقى العديد من الاشكال الفنية والاجناس الادبية، هذا ما جعل منها فضاء ابداعيا تتآزر وسطه تقنيات وأشكال عدة، يكون النتاج النهائي لها فيلماً سينمائياً يكشف عن العديد من المرجعيات الأدائية والاشتغالية التي وظفت وسطه، فالسينما كما يرى المؤلف فن تكميلي يستعين بالفنون المجاورة وغير المجاورة، ويتكِئ على العلوم والمعارف، ويلجأ في أحيان كثيرة الى التقنيات الرقمية، ويجعل الدراما جزءاً أساساً من بنائه الصوري ويكيف السرد بطريقة تفوق ما هو موجود في السرد الروائي، إضافة الى تضافره المتقن من الفن التشكيلي وتوظيف تقنيات هذا الفن في بناء الصورة السينمائية وتكونها وتشكيلها وهذه الوشائج التي تتداخل في فضاء الصورة يمكن تحديد جوهر علاقتها من خلال التداخل الخلاق ما بين الصورة – الحركة، وما بين الوسائل المرتبطة بكل شكل فني، ولذا فأن تداخل هذه الأشكال قد ظهر على مراحل، وتداخل مع المنجز الإبداعي السينمائي في مراحل متأخرة، وهو يشير الى اكتمال الوسيط التعبيري، وهذا ينطبق على (الدراما والرواية، والحكاية الشعبية، والملاحم والأساطير، والتقنيات العلمية)، في حين أن الفن التشكيلي يختلف كلياً من حيث العلاقة بالسينما عن باقي الأشكال الفنية والأدبية، وسبب هذا الاختلاف أن السينما قد بدأت مع تعريف المخترع الأميركي (توماس أديسون) لآلة التصوير السينمائي إنها «سرد القصص عن طريق الصور المتحركة» فآلة التصوير السينمائي هي وسيلة من أجل سرد الأحداث والقصص، فالصورة هي الأساس، وهذا ما يرتبط بشكل مباشر وحاسم بالفن التشكيلي الذي ينهض على الصورة في إيصال المعلومة وسرد الحدث المعبر عنه صورياً.

يقول المؤلف في مقدمة كتابه: وتمتلك الصورة السينمائية مدى رحباً في التعبير عن شتى أنواع المعاني، بسبب الطبيعة المرنة المتمثلة بعناصر الوسيط السينماتوغرافي التي تقوم ببنائها، فالصورة نتاج فكري ثقافي اجتماعي حضاري، وما تحمله من دلالات تمثل رموزاً يمكن إيصال المعنى عن طريقها إضافة الى أن واقعية الصورة تحمل أفكاراً تساوي من حيث القيمة انطباعية الصورة أو خياليتها وبعد انتشار السينما وهيمنتها واحتوائها لباقي الفنون

ويضيف أنه ظهرت بعض التيارات السينمائية التي تستند الى مرجعيات نفسية وفلسفية، وهي تحاول صياغة فكر سينمائي ينطلق من هذه المرجعيات فنرى أن الفنان الإسباني الشهير (سلفادور دالي) عمل برفقة صديقه المخرج الاسباني (لويس بونويل) على كتابه فيلمي (كلب اندلس 1929) و(العصر الذهبي 1930) واخراجهما، فأصبحت الكاميرا هنا فرشاة بيد الفنان التشكيلي، يعمل على بناء لوحاته داخل إطار اللقطة السينمائية على الرغم أن ظهور مصطلح التشكيل كان خاصاً بفن الرسم حصراً، إلا أن عمل العديد من الفنانين التشكيليين داخل فضاء السينما، أوجد هذا المصطلح في بناء اللقطة لتبدو كأنها لوحة تتجاذب بها عناصر التشكيل مع عناصر اللغة المرئية لنقل واقعية الصورة تارة، ولإيصال المعاني الأكثر عمقاً والأكثر دقة تارة أخرى، مبتعداً بذلك عن المباشرة في الطرح السينمائية وقد قام بعض صانعي الأفلام بالتعامل مع اللوحة التشكيلية كمرجع لأفلامهم، ليس من جانب عناصر التشكيل فحسب، وإنما إعادة إنتاجها كوحدة بنائية صورية وفق جميع تفصيلاتها، ومن ثم توظيف الموجودات داخل اللوحة الجامدة ونقلها الى عناصر متحركة عبر الوسيط السينماتوغرافي، كما نلاحظ ذلك مثلاً في جميع الأفلام التي تناولت حياة السيد المسيح، ومدى اعتماد هذه الأفلام على اللوحات والأيقونات التي تم رسمها داخل الكنائس والأديرة في بناء لقطاتها، إضافة الى العديد من الأمثلة الفيلمية في تاريخ السينما.

وفي مقدمة الكتاب يكتب الدكتور رعد عبد الجبار ثامر: إن الباحث بالتفصيل ماهية التكوين في الفنون التشكيلية والسينما، وحدّد نقاط الالتقاء والخلاف بشكل منهجي وعلمي وبموضوعية وأعطى لكل فن من هذه الفنون حقه في الريادة والتكوين التعبيري، وناقش الاختلاف وآليات الاشتغال بين الاثنين، مما أدى الى فك الاشتباك لهذا النسيج الجمالي بينهما، وهو أمر يحسب للباحث الذي وضع يده بدقة منهجية على مفاصل هذا الموضوع.

ويختار المؤلف أمثلة ونماذج فيلمية ولوحات تشكيلية تم تشغيلها في العديد من الافلام السينمائية، ولكن بطريقة يمكننا أن نقول عنها: إنها سينمائية خالصة حيث غادرت وجودها الجامد كلوحة تشكيلية، لتصبح صورة سينمائية متحركة تنبض بالحياة وفق تشكيل تكويني متحرك، كصوت وصورة ومعالجة واشتغالات منتظمة وفق سياق سينمائي وخطاب جمالي مختلف تماماً عن وجود اللوحة التشكيلية.

وهنا يتناول الباحث بالتفصيل كل هذه المراحل من الاشتغالات مستعرضاً بمهارة فائقة تحليل اللوحة التشكيلية والمشهد السينمائي وطرق البناء والتفعيل لعناصر التعبير السينمائي، مما يشير بوضوح الى منهجية هذا الباحث وهذا البحث وعلميته.

ولعل هذا البحث – وفق وجهة نظري- هو بحث متقدم، ناقش هذه المفاصل بطرق علمية ومنهجية واضحة، وبغير لبس في عرض كل هذه المفاصل وتحليلها.

لذا فان مهارة (نصير لازم) حدّدت لبحثه هذا مكانة بين البحوث التي تناولت موضوعات والتي تحتاج الى مهارة بحثية ومهارة علمية.. واعتقد أن الباحث يجمع بين الاثنين، فهو يمتلك الخبرة البحثية، والمهارة العلمية في السينما والتلفزيون.

وأخيراً فإن هذا الكاتب يستحق القراءة والاقتناء، وأراه متفرداً في موضوعه.. اتمنى للباحث المجتهد والمبدع (نصير) المزيد من التقدم والانجاز والتوفيق من الله عز وجل.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram