عبد الله صخي
كنت طالباً عندما اشتريت، مصادفة، عدداً من مجلة “ألف باء” التي لم يمضِ على صدورها فترة طويلة أواخر الستينيات.
في ذلك العدد تعرفت لأول مرة على فنان الكاريكاتير الكبير بسام فرج، ولقد بذلت جهداً مضنياً كي أتعرف على ملامحه الطبيعية من خلال تلك الرسوم الصادمة التي نشرت على صفحتين إنْ ساندتني الذاكرة. أظهرت الرسوم بسام فرج ملفوف الذراعين والفخذين بالشاش والجبس وثمة جروح غطيت بـ “البلاستر”، لكن الشخصية المرسومة (شخصية الفنان نفسه) لم تكن تتألم أو تشكو، رغم قسوة الحادث الظاهرة إنما بدت عنيدة وصلبة وكأن ما مر بها شيء طبيعي أو ثمن على الفنان، الذي يغلي في داخله ضمير الناس، أن يدفعه. في تلك الرسوم روى بسام فرج حادث الاعتداء عليه وهو لم يزل في بداية مسيرته الفنية الساطعة، لا أحسب أن أحداً ما قابله في الطريق فعنفه، لسبب مجهول، ثم وجه لجسده النحيل اللكمات المميتة! من هو ذاك الذي تجرأ على محاولة تحطيم الياقوت في أصابع الفنان؟ ما الذي أراده من حجب الضوء عن قلبه المفعم بحب مواطنيه؟ كم كانت رسوم بسام فرج مؤثرة ودالة وتحريضية للحد الذي دفعت نظام الاستبداد لتكسير الأصابع المرهفة الشفافة الحالمة؟ نهل بسام فرج من الحياة اليومية، من حاجات الناس وطموحاتهم في الحياة النبيلة والعيش الكريم فالتقت رؤيته النقدية الجارحة مع رؤية الأدب العراقي يومذاك، الواقعية النقدية. أصابع الياقوت لم تتراجع، لم تذبل، بل استمرت تتوهج حتى بعد غياب صاحبها، مكللاً بالزهور، في الطريق المحتم الذي سنتبعه بصمت عميق.