علي حسين
منذ سنوات وأنا أتابع ما يجري في اليابان، وأقرأ ما يقع بين يدي من كتب عن هذه البلاد العجيبة، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا وجميلاته النائمات مروراً بكنزابورو أوي وميشيما واعترافاته، وانتهاءً بإشيغورو وموراكامي،
وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 وحتى كتابة هذه السطور على 28 جائزة توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة. بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره "العمل حتى الموت"، بالأمس وأنا أقرأ الخبر العجيب الذي يقول إن إدارة شركة يابانية قررت خصم راتب موظف بسبب مغادرته العمل قبل دقيقتين من الوقت القانوني!، تذكرت الموظف العراقي الذي يعمل عشر دقائق ويستريح ساعتين بسبب الجهد الذي يبذله .هل انتهت حكايات اليابان؟ .
بالتاكيد لاتنتهي حكايات هذه البلاد التي تحتل المراكز الاولى بالرفاهية ، فمنذ ايام قررت الحكومة ان تشكل لجنة لاختيار وريث لعرش الامبراطور ، ولا يذهب بكم الظن وتتوهمون ان اللجنة تشكلت من رؤساء الاحزاب او اقارب الامبراطور.. اللجنة ياسادة من ستة اشخاص بينهم رئيس شركة لسكك الحديد ، وعميد جامعة ، ووزير متقاعد ، فيما ساستنا الاشاوس لايزالون يعتبرون اقرار الموازنة مضر بالعملية السياسية
هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتحول إلى أرقام سعيدة للعطل التي ترى فيها الحكومة أنها ستبهج الشعب الذي يعاني أيضا من شعار "البطالة حتى الموت". تقول أرقامنا السعيدة إنّ نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ40 بالمئة.
يبتسم الأديب الياباني هوراكي موراكامي حين تسأله صحيفة نيويورك تايمز عن مغزى رواياته وحكاياتها العجيبة قائلاً: "أنا أحذّر من مجتمع لا قيمة فيه للعمل المخلص والنقي".
نحن يا سيدي لا نزال ننتظر الأوامر التي تصدر عن الغرف المغلقة والتي يطلب أصحابها كلّ صباح المشورة من طهران، والتعليمات من أردوغان، أما المواطن العراقي فستوزّع عليه الحكومة مشكورة كتاب الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل "في مديح الكسل"، فللكسل في بلاد الرافدين فلسفة خاصة، شعارها أن أداء الخدمة للمواطن "رجس من عمل الشيطان"، قرارات الإصلاح التي يتغنى بها البرلمان تحولت إلى مسلسل كوميدي، العطل التي تمنحها الحكومة يميناً ويساراً ، لأن العمل والإنتاج لا يكفيان لديمومة الحياة، ولأنّ مسؤولاً كبيراً خرج يطمئننا أن امكثوا في بيوتكم، فهذا زمن الراحة والاستجمام، ومن ثم فإن التفكير في العمل منتهى العبث وبداية انهيار هذه البلاد" المؤمنة.