علي حسين
أحاول دائماً وأنا أسمع وأقرأ تصريحات النواب والمسؤولين العراقيين ومن اتخذ من السياسة مهنة للتربح، أن أسال نفسي: ترى إلى متى يستمر التدفق المنظم لهذه الصور المحزنة والمخجلة؟ .
المواطن العراقي تحوّل إلى مجرد مستمع، والأهم مطلوب منه أن يهتف لفلان، أو ينشغل باستعراضات الجماعات المسلحة التي يغيضها أي تقارب مع الدول العربية، ولهذا نجد من يصر على أن الدولة ملك له، وبعد مطولات عن الديمقراطية والإصلاح وبعد أن استمعنا إلى أغنية السلاح بيد الدولة، اكتشفنا أن مشكلة البلاد مرتبطة بتقاسم المغانم..
خلال ثمانية عشر عاماً أضاع علينا أصحاب القاذفات أهم ثروات هذه البلاد، المال والقانون، وأغرقونا بشعارات وخطب عن الديمقراطية والحرية، وفي الوقت الذي استطاعت فيه مصر أن توفر كهرباء لـ 30 مليون مواطن بستة مليارات دولار، نهبَ مسؤولونا أكثر من أربعين مليار دولار عدّاً ونقداً، وبدلاً من "مزاد بيع المناصب" وسط قبة البرلمان، كان المطلوب سهلاً جداً، أن نضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، وبدلاً من أن يضحك علينا ايهم السامرئي وينضم إلى قائمة أغنياء الكرة الأرضية، كانت هناك عقول عراقية مهاجرة، تساهم في بناء البلدان التي منحتها الأمان والرفاهية، وأنا أتابع الضجة حول مفهوم "السلاح بيد الدولة" مر أمامي خبر لم ينتبه له أحد وهو حصول عالم الفلك العراقي حميد مجول النعيمي على الجنسية الإماراتية ضمن القانون الجديد الذي أقرته الإمارات العربية والذي تمنح فيه الجنسية لفئة العلماء الذين لديهم إسهامات علمية بارزة، ولا أريد أن أخبرك بسيرة العالم العراقي الذي يعد واحداً من أبرز علماء الفلك وتولى مناصب علمية كبيرة سواء في العراق أو في البلدان التي عمل فيها. كان مجول مثله مثل كثير من الطاقات العراقية من الذين اعتقدوا أن التغيير سيسمح لهم بأن يساهموا في بناء العراق، لكنه لم يكن يدري أننا قررنا في لحظة تاريخية مهمة أن نختار عبقرية مثل حسين الشهرستاني والذي وجدناه أبقى وأنفع للعراقيين.
وعلى مدى ثمانية عشر عاماً عشنا مع جهات سياسية ليس لديها شيء تقدمه للعراقيين، وترفع شعار "السلاح بيد الدولة"، ولا تفكر، مثلاً، في حل مشكلة الطاقة، والعراق ينام على بحيرة من الغاز .
في لحظة احترام للطاقات العلمية والثقافية والفنية اصدرت الامارات قائمتها الذهبية التي ضمت كوكبة من كبار العلماء والكتاب والفنانيين والاطباء لتقول لهم اهلا بكم في بلاد ستوفر لكم فرص للمنافسة على الابداع .
وانا اكتب هذه السطور ، اود ان اذكر القارئ العزيز بالايام التي هبّت فيها رياح الإصلاح على برلماننا "العتيد"، وما تبعها من خطابات وأهازيج توهم خلالها المواطن البسيط بأن الأمور قد حسمت لصالحه، وان المحاصصة تحولت الى أشياء من الماضى .