اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > عبد الرحمن الجابري المخلص لطفولته

عبد الرحمن الجابري المخلص لطفولته

نشر في: 21 مايو, 2010: 04:54 م

نجم واليأية مصادقة: في اليوم الذي إتصل بي الصديق علاء المفرجي محرر المدى الثقافي للكتابة عن الصديق عبد الرحمن الجابري، قفز أمامي على النت الخبر التالي: يبرز عبدالرحمن الجابري والذي يبلغ من العمر 15 سنة وهو من أبناء مدينة ساه منطقة الصيقة بمحافظة حضرموت رساماً غير عادي،
 إعتبره رواد مكتب الثقافة بوادي حضرموت رساماً فريداً من نوعه ولديه قدرات خارقة رغم صغر سنه، إذ إن لديه خيالاً كبيراً وواسعاً يترجمه في لوحاته الكثيرة التي قام برسمها. موهبة عبد الرحمن الجابري ظهرت خلال السنوات الماضية وخلالها إستطاع رسم أكثر من 300 لوحة. rnالرسام عبد الرحمن اعتبره جميع من كان في المكتب موهبة قادمة يحتاج إلى من يسانده لترى اللوحات الرائعة التي رسمها الضوء...إلى هنا الخبر..في الوهلة الأولى ظننت أنني اخطأت القراءة، وإنها إسقاطاتي لا غير، جعلتني أقرأ اسمه، فلأنني فوجئت بخبر موته الذي بثه لي أولاً صديقي طالب حسن العائد "خائباً" وللتو من رحلته إلى أهله في الناصرية العراق، بالضبط بليلة واحدة من إتصال الصديق علاء المفرجي بي. طالب حسن لفظ خبر موت عبد الرحمن بحزن كأنه أراد أن يبث عن طريقه أيضاً رثاءه لناصريته التي لم يعثر عليها أو على نفسه التي فقدت بعد تلك الزيارة آخر ما كانت تملكه من أمل بعودة حياة. ترى هل مات عبد الرحمن الجباري للسبب ذاته؟ بسبب خيباته المتكررة؟ بسبب مدنه التي ما عادت تصلح مكانا لطفولة مفقودة؟المرة الأولى التي إلتقيت بها عبد الرحمن (وكان طالب حسن أيضاً حاضراً معي) في حفل اقامته جمعية الطلبة العراقيين في مدينة فرانكفورت في خريف عام 1982. كان عبد الرحمن قادماً من رحلة بدأها بعد خروجه مع خروج الشيوعيين الأول إثر إنهيار عقد الجبهة الوطنية عام 1978، رحلته تلك مرت بإيطاليا ثم اسبانيا وإنتهت في مدينة مانهايم القريبة من فرانكفورت، أما أنا فقد مرت على منفاي الألماني سنتان، بعد مغادرتي بلاداً كان اسمها الجمهورية العراقية، رحلتي بدأت في 28 أكتوبر 1980 بستة أسابيع بعد إندلاع الحرب العراقية العالمية الأولى، عفواً الحرب العراقية الإيرانية، رحلة كانت على طريقة أفلام الأكشن إنتهت بي إلى شمال ألمانيا في مدينة هامبورغ وتكملة دراساتي العليا في جامعتها، من الصعب تصور عطش مَنْ خرج في تلك الأيام للقاء عراقيين يتنفس معهم هواء جديداً غير هواء الديكتاتورية، من الصعب على أحد اليوم تصور لهفتنا في تلك الأيام لأن نجتمع على منظر لوحة أو قراءة قصيدة أو قصة، على عمل إبداعي بعيداً عن عفونة هواء الديكتاتورية الخانق. أتذكر كيف أنه فرح بلقائي عندما عرف أنني كاتب وصحفي، رغم سني مقارنة به في حينه، دون أن يعرف بأنني ومنذ بداياتي الأدبية الأولى، بل حتى منذ قراءاتي الأولى وكل صداقاتي كانت أكبر مني سناً. عبد الرحمن يكبرني بتسع سنوات، لكنه لم يمنحني الإنطباع، بأنني أصغر منه سناً، كان فرحاً بي، مصراً على زيارتي له في البيت لكي يريني لوحاته.أربع أو خمس سنوات لم نر فيها بعضنا بعد ذلك، لكن عندما سمع بعدها برحلاتي المتكررة إلى مدريد عن طريق مطار فرانكفورت، اصر على أن أعمل محطة عنده في الذهاب والإياب، "لابد من أن تزورني يا نجم"، قال لي، "عندي لك لوحات جديدة، لابد من أن تراها"، وفي كل المرات كان حماسه يتضاعف، في كل زياراتي تلك (التي من الصعب إحصاؤها الآن) حرص على تهيئة لوحاته الجديدة التي رسمها، كان يرتبها لي بعناية، وعندما يرى نظرتي المتشككة أحياناً، لأنه لم ينس ما قلته له في أول لقاء لنا، "في رسومك الكثير من الواقعية الإشتراكية"، ولكي أنسيه تجهمه بسبب جملتي تلك، أضفت "أترك الإشتراكية لجمعية الطلبة العراقيين، وأكتف لنفسك في الأقل بالواقعية"، جملتي تلك جعلته يضحك، وكان يجيبني بضحكة لم تخل من الحزن أبداً، "ماذا أتوقع من شروكي مثلك غير شيوعي"، وكان يعرف أنني لا أزعل من جملته تلك، ففي النهاية هو على حق، ثم نحن الإثنان من مواليد مدينة العمارة. لكن بقدر ما كان يبدو مصراً على واقعيته "الإشتراكية" في رسومه، بقدر ما رأيته يفكر ملياً بتعليقاتي غير المريحة.إذا كانت هناك ميزة أو علامة فارقة تميز عبد الرحمن الجابري عن الآخرين، فهو إخلاصه لنفسه ولصداقاته. كان مخلصاً لموقفه، خرج شيوعياً واراد أن يبقى شيوعياً، حتى إذا كان ذلك على حساب لوحاته. وهو إخلاصه هذا الذي جعله يتميز فنياً حتى عن زملائه الرسامين الشيوعيين، لأن واقعيته الإشتراكية حزينة بحزن منفاه، بحزن يأسه غير المعلن، بحزن خيباته المتتالية في الحياة، سواء في فشل المشروع الذي نذر حياته له، المشروع الشيوعي، أم سواء في فشل صداقات راهن عليها كثيراً، بل حتى في فشل مشاريعه الحياتية بتكوين عائلة "تقليدية" على غرار ما حققه زملاء له. "تراجيدية المنفى"، كنت أخفف عنه، رغم أنني لم أره يشكو يوماً، لكن مع كل سيجارة كان يدخنها، مع كل سيجارة يمص فلترها، كنت أشعر بعطشه للون أكثر عمقاً في ألقه، ابعد مدى في الضوء الذي ينثره في لوحاته، حلمه بلوحة لا تختنق بيأس منفي يرى سنوات حياته تجري بسرعة أمامه، مثل من يقود د

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram