وسط الطفرة الأخيرة في الإنتاج النفطي في العراق، يتوجب على أصحاب الفنادق التعامل مع الفساد وعدم الخبرة وان يتحاربوا من اجل استقطاب حفلات الزفاف.
فندق كورال في بغداد هو الأول من نوعه في العراق، حيث أن معظم الفنادق تدار من قبل الحكومة او انها موتيلات أهلية تديرها عوائل.
تقف قوات عسكرية عراقية وعجلة همفي خارج الفندق، وهو مبنى من الألمنيوم اللامع والزجاج الأزرق انتصب مؤخرا في هذا المكان، عند الباب يقف حراس الأمن من مفتولي العضلات وهم يرتدون قمصانا زرقاء براقة مكتوبا عليها باللغة الانكليزية "اسمحوا لنا ان نرضيكم". عند المدخل يقف فتيان أوغنديون يرتدون قفطانا ماروني اللون لتحية الضيوف، موسيقى حالمة تنبعث من صالة من الرخام والخشب. في الطابق العلوي جناح تتدلى منه ستائر مصقولة يصل سعر الليلة الواحدة فيها إلى 300 دولار.
ان افتتاح مثل هذا الفندق الفاخر يتطلب إنسانا لا يخشى المجازفة مثل عماد الياسري الذي قال إن مجازفاته السابقة تشمل تهريب النفط متحديا عقوبات الأمم المتحدة في سنوات التسعينات، وان إمكانات الربح الوفير تستحق المجازفة. بغداد تتعثر بسبب الجمود السياسي والفساد والبنية التحتية الضعيفة والقلق من الوضع الأمني في منطقة باتت ملتهبة في الفترة الأخيرة، لكنها في الوقت نفسه كما يرى ياسر وغيره تعتبر المرحلة الأولى من الطفرة وذلك لأن عاصمة هذا البلد الغني بالنفط تتحول إلى مغناطيس يجذب الشركات الأجنبية وصانعي الصفقات، ففي آب تجاوز العراق جارته إيران كثاني اكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للنفط، وفي أيلول كشفت الحكومة العراقية عن خطط لمشاريع البنية التحتية بقيمة 42 مليار دولار، وفي الأسبوع الماضي وافقت على موازنة سنوية بلغت حوالي 119 مليار دولار.
يبدو ان عراقيين آخرين لديهم نفس هذه الطموحات، فقد كلف البنك المركزي المعمارية العراقية زها حديد ذات الشهرة العالمية ببناء مقر جديد له. عبر نهر دجلة سينتصب مول جديد للتسوق بكلفة 100 مليون دولار بالقرب من منطقة المنصور، حيث تقوم مطاعم الوجبات السريعة المزخرفة بديكورات متوهجة وتحمل أسماء مألوفة مثل فلوريدا فرايد تشيكن (دجاج فلوريدا المقلي) وبيتزا هت، بأعمال تجارية غاية في النشاط.
الياسري –43 سنة – وهو سليل أسرة دينية ويفضل ارتداء الجينز والقمصان الايطالية، مساهم أيضا وعضو شركة بيبسي بغداد، كما انه يوزع السكائر الفرنسية الفاخرة ومنتجات الألبان السعودي، لكنه يقول إن بناء وتشغيل الفندق هو مسعى لم يجربه في حياته المهنية. انه يواجه العقبات والتكاليف الإضافية التي تحبط كل المبادرات الخاصة في العراق، فعليه ان يدفع الرشاوى الى موظفي الحكومة من اجل الحفاظ على استمرار سير المشروع واستيراد مواد عالية الجودة وخبراء، مرددا نفس حكايات اصحاب المشاريع الآخرين والتي هي حقيقة من حقائق الاعمال في العراق. استغرق المشروع قرابة السنتين وبكلفة 13 مليون دولار. انه يصف مباراة صراخ جرت في وقت سابق من هذا العام بينه وبين مفتشي أمانة بغداد الذين ارادوا صب الحصى او الكونكريت على حديقة الفندق المشذبة حديثا، وانتهى الخلاف باتصال مع أمين بغداد.
مدير العلاقات العامة في أمانة بغداد حكيم عبدالزهرة أقر بان الفساد يشكل مشكلة الا ان الحكومة المحلية تبذل جهدها للقضاء عليه خاصة في المشاريع الكبيرة "لا يمكننا السيطرة على 14 ألف موظف"، هذا هو نفس الكلام الذي زعمته الحكومة المركزية أيضا.
في تقرير للكونغرس الاميركي صدر الثلاثاء الماضي، قال المفتش العام لإعادة إعمار العراق ان الفساد يظل واحدا من اكبر المعوقات أمام التقدم الديمقراطي في البلاد واقتبس عن مسؤول عراقي تهريب 800 مليون دولار الى خارج العراق بشكل غير قانوني في كل أسبوع. كما ان الفساد والأعمال غير المطابقة للمواصفات أضرت بمشروع بكلفة 300 مليون دولار لترميم عدد من فنادق بغداد التي تملكها الدولة من اجل القمة العربية التي عقدت في العاصمة العراقية في وقت سابق من العام الحالي، وكانت النتيجة ترميمات جزئية او غير مكتملة في بعض المرافق؛ وغرفا مزينة بمواد رخيصة صينية او تركية الصنع مع اثاث رخيص في مرافق اخرى؛ كما استبعدت الكثير من الاشياء المطلوبة ؛ مع كثير من الموظفين الذين يفتقرون الى ابسط مهارات التعامل مع متطلبات النزلاء. لذلك فقد اشرف الياسري شخصيا على مجمل عملية بناء الفندق، حيث استأجر شركات اماراتية وفرنسية وعمانية لجعل كل شيء حسب الطلب من وضع اللمسات الاخيرة على الفندق الى الاثاث الخشبي الناعم والمنحوتات الجميلة الى المفروشات والوسائد. ولأجل ضمان توفير الطاقة الكهربائية المستمرة لغرف الفندق البالغ عددها 82 غرفة، كان على الياسري ان يستأجر قطعة ارض شاغرة لنصب ثلاث مولدات، كما تكفّل بالتقاليد الحضارية الراسخة التي لا تتعارض مع تشغيل الفنادق الفاخرة. الزبائن الأساسيين هم المدراء التنفيذيون لشركات الاعمال الاجنبية، ففي الصباح تمتلئ "مقهى المزاج" في الفندق بأناس من مختلف الجنسيات، لكن في نهاية الاسبوع يحجز المكان للعرسان العراقيين من الشباب، فمن العادات العراقية أن ترافق العوائل العريسين الى غرفة الفندق بالهلاهل والغناء.
كادر العمل والادامة تشكل مشاكل ايضا، فمع ان 25% من العراقيين عاطلون عن العمل، لكن من الصعب ان تجد عمالا محليين لهم المهارة الكافية والحماس. ومن اجل تجنب الإجراءات الملتوية الخاصة بالتأشيرة وتراخيص العمل المطلوبة لجلب العمالة الأجنبية، فقد استأجر الياسري بعض العاملين من بنغلاديش والهند الذين فقدوا عملهم في القواعد العسكرية الاميركية بعد الانسحاب الاميركي. ومع ذلك فقد استغرق الأمر اكثر من شهر لجلب أخصائي فني من السعودية من اجل اعادة برمجة الأقفال الالكترونية للفندق.
يقول الياسري اذا ما سارت الامور في فندق كورال بشكل جيد، فان هدفه التالي سيكون ترميم فندق بابل في العاصمة والذي حصل فيه على اسهم مؤخرا، "فالترميم الذي جرى برعاية الحكومة وكلف 32 مليون دولار لم يثمر عن شيء ذي بال. الحكومة هي العائق الأكبر الذي يواجهنا".
عن: وول ستريت جورنال