علي حسين
كان الشهيد أبو سعيد "عبد الجبار وهبي" يكتب في زاويته الصغيرة في صحيفة اتحاد الشعب شيئاً عن مساحات الأمل: "علمني الحزب أن أرى حريتي وأخلط فرحي بشيء من أحلام الناس" يومها كان هناك وقت ومتسع للأمل، في ذلك اليوم من عام 1960 نظر أبو سعيد من نافذة غرفته المطلة على إحدى زوايا شارع الكفاح..
متأملاً احوال حزبه المثير للدهشة وهو يراه يعيد صياغة نفسه كل يوم، ويقرأ ملامح الشيوعيين الذين قد يختلفون على أشياء كثيرة، لكنهم يتمسكون جميعاً بخيارهم الوطني وشغفهم بحب الوطن والدفاع عن حريات الناس وآمالهم ومستقبلهم .
منذ انطلاقتهم الأولى قبل 87 عاماً لم يفصل أبناء الحزب الشيوعي بين ذواتهم ومآثر وطنهم وقضاياه. وظلوا يعيدون صياغة حياتهم ليصبحوا أكثر استعداداً لتكريسها في تحديد مسارات الحرية لبلادهم والارتقاء باستعداد شعبهم للتحديات التي تتطلبها، والكوكبة من المناضلين الذين أطلقهم الحزب العتيد إلى سوح الكفاح ومعظم مسالك الحياة في سائر أنحاء العراق، شع من بينهم "أبو سعيد" الذي كان يبشر بالمستقبل كل صباح من خلال عموده الصحفي وهو يحمل نفحات حب الوطن ودروس النضال والتضحية وتكريس مفاهيم النزاهة والترفع عن كل ما يضعف القيم النضالية.
اليوم تبدو كتابات ابو سعيد في استعادتها كأنها نشيد بلازمة واحدة تتكرر، السجن، النضال، حب الناس والدفاع عن حقهم في حياة كريمة، من عبد الجبار وهبي الذي ضحى بحياته، تحت التعذيب الوحشي، مروراً بشمران الياسري "أبو كاطع" الذي قضى منفياً، مطارداً في دروب الغربة، إلى مئات من خيرة المثقفين والمبدعين الذين تعلمنا كتاباتهم ونتاجاتهم الإبداعية، أن نتحسس نبض الوطن، ونعكس هموم الناس وآمالهم وتطلعاتهم وننأى عن الأصوات التي تدفع نحو تشويه الحقائق وتزوير وقائع التاريخ.
اليوم بعد 87 عاماً نتمَثُل الإرث النضالي والسياسي للحزب الشيوعي الذي استمده رجاله من حكايات العراقيين وآلامهم وأحلامهم ومعاناتهم ونجعلها معاشة بين ظهرانينا.
نتذكر "أبو سعيد " ورفيق دربه "أبو كاطع" ومعه آلاف الشهداء الشجعان، ونقرأ اليوم سيرهم، ونمعن النظر في تجاربهم الممتدة عبر طريق الأحزان في أرض العراق الذي عانى من الظلم لعقود طويلة.
ليس صدفة أن الشيوعيين العراقيين، أمواتاً وأحياء، كانت "خطيئتهم" الوحيدة حبهم لوطنهم ودفاعهم عن أحلام ومستقبل شعبهم، ظلوا يرفعون راية الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وهم يتوسدون آلامهم ومحنهم الشخصية في المعتقلات وأقبية أجهزة الأمن ودوائر المخابرات وعتمة السجون، ظلوا أمناء على رسالتهم الوطنية، ترفعوا على ذواتهم، لم يطلبوا لأنفسهم وعوائلهم أي امتياز شخصي، ولم يسعوا إلى مناصب، واستبدلوا الكراهية بالمحبة، وقبول الآخر لا إلغاءه، منادين ببناء وطن يتسع للجميع.