علي حسين
أكتب بينما خبر إضافة مسحة من الجمال إلى الحياة المصرية، بعد الموكب التاريخي الذي نُقل خلاله 22 من المومياوات الملكية المصرية من موقعها بالمتحف القديم إلى متحف الحضارة، وكان على رأس مستقبليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو الأمر الذي أثار موجة من السعادة والفخر في الشارع المصري والعربي .
ما حدث يؤكد أنه: لا بديل عن دخول الثقافة والفنون بقوة في معترك الحياة العامة.. ولا مكان لسلطة تغييب الفنون وتسخر من تاريخ بلادها وتتغنى ببلدان الجوار، وتعتقد أن الصاروخ أهم من بوابة عشتار ، والسعي إلى التضييق على الفنون باعتبارها مخالفة لأخلاق وقيم المجتمع.
وأنا أنظر إلى موكب المومياوات تذكرت الشيخ مرجان أحد قادة الأخوان المسلمين حين ظهر قبل سنوات يطالب بهدم الأهرامات لأنها حرام.. وكيف انهالت فأس أخواني أيام محمد مرسي لتقطع رأس طه حسين، وهي نفس الفأس التي ترفع في العراق بوجه كل من يريده دولة رفاهية وثقافة وفنون.
أهدانا أهل مصر خلال الأيام الماضية حدثاً ثقافياً عالمياً، حيث اختارت الدولة الوقوف إلى جانب الحضارة، في الوقت الذي يصر ساستنا على أن هذه البلاد لا تنفع معها سوى فتاوى مطاردة المسيحيين ، وعبوات منتصف الليل .
ذات يوم كان العراق يزهو بأعمال محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهما الجيل العملاق قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم، وعبد الله إحسان كامل، ومعهم العشرات يملؤون مدن هذه البلاد ، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه إلى بغداد، وتحول العراق إلى منارة، تتلاقى فيه الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لهذه البلاد أن تكون بلاد متعايشة، متسامحة، والأهم تعبق بألوان لوحات فائق حسن وعطا صبري وفرج عبو، وشهرزاد محمد غني حكمت ، وايقونة جواد سليم نصب التحرير ، ولم يكن يدور بخلد هؤلاء أن تتحول مدن العراق إلى خرائب، يريد القائمون عليها أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.
للأسف، إن البعض من ساستنا كأنهم لم يقرأوا بعد أحداث مصر، أو أنهم يعتبرون أننا نعيش في جزيرة معزولة لا علاقة لها بما يجري، ومن ثم لا يجوز مقارنتها بمصر أو غيرها من بلدان العالم الآخر، ففي الوقت الذي تحاول فيه دول إقرار قوانين وتشريعات لدعم الثقافة، نجد في هذه البلاد من يعترض على ميزانية وزارة الثقافة لأنها تصرف على "الراقصات" كما صرح ذات يوم نائب مؤمن يكره كل ما يتعلق بالعراق .