علي حسين
أكرر هنا باستمرار، أنني أحاول قدر طاقتي وتحملي، الابتعاد عن سير خط ساستنا "الأفاضل" ، وأن أشغلكم بالحديث عن الكتب، وأصدّع رؤوسكم بمقولات سارتر وشكسبير، لكنني ياسادة أعود مرغماً لكتابة عمود عن واحد من زعماء هذا العصر،
بالأمس وأنا أتجول في هذه الشبكة العنكبوتية التي اخترعها لنا البريطاني "تيم بيرنرز – لي"، والتي نستخدمها في مرات كثيرة لبث الكراهية، والسخرية من الشعوب، وترديد اسطوانة أننا علمنا البشرية القانون، من دون أن نحترم المرحوم حمورابي الذي حاول قبل ما يقارب الأربعة آلاف عام أن يرشد البشرية إلى شيء ينظم حياتهم أطلق عليه الشرائع أو القوانين. لكن المشرع العظيم لم يدر بخلده يوماً أن مسلته ستلقى الاحترام في بلاد الغرب، وستحتضنها بلاد "العم" ديغول الزعيم الذي أنقذ فرنسا من سطوة هتلر، فيما بلاد الرافدين استبدلت القانون بـ"الكعدة العشائرية". أعود لجولتي في الإنترنيت حيث قرأت خبراً يقول إن خمس عوائل عراقية قدمت شكوى قضائية في العاصمة الفرنسية باريس ضد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. وتتهم العائلات عبد المهدي بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وتعذيب وإخفاء قسري" خلال تظاهرات "تشرين". لماذا في فرنسا؟، لان السيد عادل عبد المهدي لا يزال يفتخر بجنسيته الفرنسية، فيما يعتبر الجنسية العراقية مجرد وسيلة للحصول على المناصب والمغانم.
خبر عادل عبد المهدي مر مثله مثل الكثير من الأخبار التي لا تجد لها سوقاً داخل اهتمامات النخبة العراقية، التي كان المطلوب منها أن تكون هي صاحبة الدعوى ، وهي الصوت الحقيقي لضحايا الاحتجاجات .
يخبرنا القاموس الفرنس الشهير "لاروس" بأن كلمة نخبة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا عندما احتجت عام 1898مجموعة من الكتّاب، على رأسها إميل زولا على سجن ومحاكمة ضابط فرنسي اسمه درايفوس زوراً لتبرئة أحد كبار قادة الجيش، فقد نشرت كبريات الصحف الفرنسية على صفحاتها الأولى مقالاً مثيراً لإميل زولا بعنوان "إني اتهم" وفيه يوجه سهام النقد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية وقادة الجيش لأنهم زوروا الحقائق، المقال الذي أصبح فيما بعد عنواناً للاحتجاج ودخل قاموس الأدب باعتباره أبلغ بيان ضد التعسف والظلم.
في العراق ظل الاسترخاء سيد الموقف عند النخبة العراقية . لم يعرف اهالي الضحايا أن تحقيقا تم أو اتهاما وجه، بل إن أصواتا تتهم المتظاهرين بانهم ينفذون اجندات اجنبية .
ان تلجأ عائلات الضحايا الى باريس للبحث عن عدالة القضاء ، هذا يعني انها تعاني من " قدر " اسود فرض عليها ، واننا لم نستطع ان نحرك المياه في "بركة" السياسة والمجتمع، التي يصر فيها بعض الساسة على إخفاء العلم الوطني جانباً ، لنعيش تحت رايات مختلفة .