قراءة: علاء المفرجي
السينما النازية الذي كتبه جيفري ريتشارد وبترجمة جوليانا داود يوسف هو في الأصل جزء من الكتاب الموسوعي (رؤى الأمس) الذي ألفه رتشاردز..
الذي يتناول دور السينما في تصوير المعتقدات والأساطير الشعبية ، ويأخذ ثلاث دراسات حالة - الشعبوية الأميركية ، والإمبريالية البريطانية ، والنازية الألمانية - لشرح كيفية ظهور ضغوط الأمة والتوترات والآمال في أفلامها . يتم فحص السينما الأميركية من خلال تحليل المسار الوظيفي لثلاثة مخرجين عظماء ، جون فورد وفرانك كابرا وليو مكاري ، بينما تتم دراسة دور السينما البريطانية والألمانية حسب الموضوع ، فتح تحليل الإمبراطورية البريطانية كما يظهر في الفيلم أرضية جديدة ومثيرة من خلال سرد رائد لـ "سينما الإمبراطورية" عندما تم نشره لأول مرة في عام 1973.
وبغض النظر عن مقاصد تلك الدراسات المتعددة والمتباينة، بتباين انتماءات أصحابها، - تقول المترجمة جوليانا داود يوسف - "لكنها استطاعت أن تبحث على نحو موضوعي، المكونات والحيثيات الاستبدادية للظاهرة النازية من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية والسيكولوجية..،" وقد ترجمت الى اللغة العربية بعض من هذه الدراسات، لكن البعض منها لم يتطرق الى الجانب الفني ، وبالتحديد ما خص الجانب السينمائي للحركة النازية، التي اعتمدت مؤسستها الإعلامية بقيادة غوبلز على السينما في ترويج دعاواها السياسية الديماغوجية، وخرافتها الأيدلوجية.
فالفيلم يعد مصدراً مهماً للتاريخ الاجتماعي ، فضلاً عن كونه شكلًا فنيًا شائعًا منذ أوائل القرن العشرين. توضح هذه الدراسة كيف ينعكس المجتمع ، بوعي أو بغير وعي ، في السينما.
تناول كتاب السينما النازية الإيديولوجية النازية، و ليني ريفنشتال – التوثيق والخرافة، والأفلام الروائية النازية و اليهودي الأزلي والانكليزي الخائن.
ففي فصل الأيدلوجية النازية يتتبع المؤلف تاريخ صعود النازية التي خلقت النازية نظام دعاية مفصل استفاد من التقنيات الجديدة للقرن العشرين ، بما في ذلك السينما . كانت النازية تتودد للجماهير من خلال الشعارات التي كانت موجهة مباشرة إلى غرائز وعواطف الناس، اعتبر النازيون الفيلم أداة دعاية ذات قوة هائلة، الاهتمام الذي حظي به أدولف هتلر ووزير الدعاية جوزيف جوبلز في الفيلم لم يكن نتيجة الانبهار الشخصي فقط، وتم التخطيط لاستخدام الفيلم للدعاية من قبل حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني منذ عام 1930 ، عندما أنشأ الحزب قسم الأفلام لأول مرة.
فالنازيون مدركون في وقت مبكر للتأثير الدعائي للأفلام ، وبالفعل في عام 1920 ، تضمنت قضايا المرصد العنصري نقداً سينمائياً ، ونشر الفيلسوف والتر جوليوس بلوم كتاب " روح السينما "عام 1922.
لا شك في أن الفيلم وسيلة دعاية هائلة، يتطلب تحقيق التأثير الدعائي دائمًا "لغة" تشكل حبكة لا تُنسى وعاطفية مع سرد بسيط. ... في المنطقة الواسعة لهذه "اللغة" التي يواجهها المتلقون بشكل مباشر في سياق العمليات التقنية والاقتصادية ، فإن الصورة المتحركة هي الأكثر فاعلية،و تتطلب اليقظة الدائمة. إنها مليئة بالمفاجآت المتعلقة بتغيير الزمان والمكان والعمل ؛ لها ثراء لا يمكن تصوره من الإيقاع لتكثيف أو تبديد المشاعر.
وافترض غوبلز ، الذي عين نفسه "راعي الفيلم الألماني" ، أن السينما الوطنية التي كانت مسلية وتضفي بريقاً على الحكومة ستكون أداة دعائية أكثر فاعلية من السينما الوطنية التي سيكون فيها NSDAP وسياستهم، في كل مكان، شدد جوبلز على الإرادة لإنهاء "الوقاحة " التي اعتقد أنه يمكن العثور عليها في صناعة السينما السابقة. كان الهدف الرئيس لسياسة الأفلام النازية هو الترويج للهروب من الواقع ، والذي تم تصميمه لإلهاء السكان وإبقاء الجميع في حالة معنوية جيدة، في الواقع ، ألقى غوبلز باللوم على الهزيمة في الحرب العالمية الأولى على الفشل في الحفاظ على الروح المعنوية للشعب.
أما عن المخرجة (ليني ريفنستال) وهي راقصة وممثلة ومخرجة اشتهرت بأفلامها للدعايات التي تعين بها حزب النازيين.
عام 1933 طلب هتلر من ريفنستال أن تخرج فيلماً قصيراً بعنوان (نصر الإيمان) خلال مؤتمر النازيين الشعبي بمدينة نورنبرج في نفس السنة، وكان هذا الفيلم نموذجاً للفيلم المشهور (انتصار الإرادة) تم إخراجه خلال مؤتمر النازيين الشعبي في نورنبرج سنة 1934. و(نصر الإرادة) كشريط أخباري قصصي على مرتبة عالية جداً, إنه فيلم مثير وتقنيته مخترعة ويعتبر من أحسن أفلام الدعايات النازية, فتحصل على الكثير من الامتيازات، لكنه صلة وصل دائمة بين الفنانة ريفنستال وبين النازية.
الفيلم الذي نال إعجاب الشعب هو الفيلم "أولمبياد" الذي أظهر بشكل فعال وهائل الدورة الأولمبية الصيفية ببرلين سنة 1936. واستعملت ريفنستال عند إخراج هذا الفيلم للمرة الأولى العديد من الأساليب السينمائية الجديدة مثل التصوير بكاميرا مربوطة على سكك (عرفت فيما بعد بالسكك لتصوير اللقطات التصويرية). تحصلت ريفنستال على جوائز وثناء على هذا الفيلم الذي يحتوي على جمال الرياضة والدعايات النازية، بانعكاس الرياضة وبهجتها تحصّل الفيلم أيضاً على جائزة كونه أحسن فيلم أجنبي في مهرجان سينمائي بفينيسيا ضمن الجائزة من الهيئة العالمية الأولمبية.