سهيل سامي نادر
أعوّل على ما كتبه بلاسم محمد في تقديم أعماله : محاولة استعادة المأوى العميق في لا وعينا.
إن كلمة مأوى مثيرة، وهي ما أريد أن أجده في أعمال الفنان ، أرى أنه في الرسم وليس في النيّات، في الإنشاء والمواد الفنية وليس في أي اعتراف ذاتي ، يبرر الفنان فكرة المأوى بالاقتراب من الأحياز التي يبنيها والتي تبدو كأنها مشاهد هاربة من الذاكرة - مشاهد يجري فتحها بصرياً فتظهر مدخلاً يفضي الى مكان داخلي، أو يجري التعتيم عليها بخطوط مسحوبة الى الخارج ، فتبدو أن المقصود هو شيء آخر، فضلاً عن زوائد من الأشكال العاطفية التعبيرية التي تبدو منفصلة أو مكتفية بنفسها.
والحال تلك هي لعبة الفن المزدوجة بوجه عام ، اللعبة التي تظهر وتخفي ما نظن أنه دال، وربما تضيّعه من أجل قيمة جديدة تظهر فجأة. إن رسم بلاسم ينتمي للعواطف والخيالات والحالات المرتبطة بها ، من هنا فهو مرة يختصر، ومرة يطنب ، ومرة يواصل وعيه للبوح على نحو مثير، متمسكاً بأشكال واضحة نسبيا ، ليعود الى التعتيم على ذلك الجزء الذي خرج الى النور، في كل الأحوال يبدو أن المأوى الذهني يجد معادله البصري مراراً في لقاءات تجري في العتمة، أو في خارج لا نرى منه غير كوة ضوء.
باستخدامه التخطيط في بناء أعماله يلتقي بلاسم تلقائياً بأشكال تبدو منبثقة من دون ما تصميم. فالتعبير بالخطوط يميل الى بث احتمالية من طبيعة عاطفية وحركية. معرضان له جاءا على هذا النحو، ولا أظن تلك مصادفة. إن ما يشيده الفنان كبؤرة للعمل يبتعد عنه بمعالجات عاطفية يصبح فيها الخط سطحاً معتماً، أو يفتح له أحيازاً بيضاء يبقيها كعلاقة من طبيعة فنية جمالية، وقد يجد لها ما يعادلها من سطوح معتمة او ملونة تتحرك فيها أشكال شبحية.
في معرضين اثنين يبني بلاسم محمد لملاذاته العاطفية أمكنة نصف معتمة، وممرات مضيئة، وأبواب موصدة أو مفتوحة . إنها نوع من الاعترافات. مكالمات في جوّال عند منتصف الليل. همس . وانتظار الليلة القادمة!.
كاد الضحك يقتلنا ، وأنت أفضل الضاحكين. الآن يحفر الحزن قبورنا قبل أن نكون مستعدينّ . وداعا بلاسم ..