لطفية الدليمي
نماذج الفشل في حياتنا كثيرة . ثمة أفراد فاشلون، وحكومات فاشلة، ودول فاشلة. الفشل أسبابه كثيرة ومتعددة؛ لكني سأحصر الحديث هنا عن فشل فردي خبرناه وتعاملنا معه في غير موضع .
عندما يفشل شخص ما في تحقيق ماحسبه أحلاماً مشروعة له بسبب نقص إمكاناته العقلية والنفسية فإنه غالباً مايلجأ - وهو في قعر مستنقع الفشل - لتسخيف كل أمر ناجح والتبشير بحياة بائسة لايرتجى منها أي هدف معقول يسعى له المرء بعزيمة ثابتة طموحة. المناورة النفسية هنا بيّنة مكشوفة: أنت عندما تفشلُ في تحقيق ماتسعى إليه تريدُ للآخرين - بل أنك تتمنى لهم - أن يذوقوا من كأس الفشل ذاته الذي شربت منه .
هل تصدّقون أنّ معضلة الدولة الفاشلة في العراق تكمن في هذه الجزئية الخطيرة : أناسٌ إستمرؤوا النميمة وحياكة المكائد التآمرية في الدهاليز المغلقة المتعفنة، جعلتهم الأقدار الغبية - بمباركة أميركية محسوبة منذ البدء والمنتهى - أسياداً وهم أمثولات صارخة للفشل والجهل وانعدام الولاء . هذا بعضُ مايفعله الفاشلون من تخريب ممنهج لحياتنا. هم لايطيقون رؤية بذرة نجاح أو مقدرة على تغيير واقع الحال في أي مكان . أنظروا إلى وجوههم المتجهمة وستعرفون حقيقة مايفكّرون به في أعماقهم الخرِبة المعتمة.
نجحت مصر في إتحافنا بمشهد بصري - لم نعهده من قبلُ - عندما أقامت مسيرة ملوكية لفراعنتها نقلتهم من متحف قديم لآخر جديد مخدوم بكلّ جديد من التقنيات المبهرة. هل قرأتم حجم التعليقات المسيئة لمصر وشعبها وحكومتها التي أعلنها فاشلون تمتدّ أطيافهم من أغبياء مغفلين إلى معدومي الولاء وكارهين لوطنهم؟ قال بعضهم : أليست خدمة الفقراء ( أحباب الله !) تتقدّمُ على كلّ ماعداها ؟ أو لم يكن الأولى إنفاق هذه الاموال على المحتاجين؟ ، هذا قول مخاتل إعتاده المؤدلجون المنظّرون للتيارات النكوصية . حسنا، هل تريدون من الحكومة المصرية أن توزّع إعانات على الفقراء ؟ هل ينفع هذا ؟ هل نسينا الأمثولة الصينية التي تقول ( لاتمنح فلاناً الفقير سمكة بل علّمه كيف يصطاد ) ؟ إنها المخاتلة وفساد الضمير وخلل القيم الأخلاقية التي جعلت هؤلاء يرون أنفسهم أوصياء على الطهرانية وعفّة اليد، وماكانوا عفيفين أو أنقياء القلب والضمير يوماً . ألا يدرك هؤلاء أنّ تطوير السياحة سيوجد وظائف لاتحصى سترتفعُ بالمستوى الإقتصادي لهؤلاء الفقراء بأكثر من بضعة جنيهات هي أقربُ إلى صدقة مكروهة لايرتضيها كرماء النفس؟
أحب حضارتي الرافدينية العظيمة وأكتب عنها دوماً وأدعو لتكون مرتكزاً نجتمع حوله، وأحبّ مصر وشعبها؛ فقد تعلّمنا الكثير من مثقفيها ومفكريها المعاصرين . أحبّ مصر وهي غنية، وأحبها وهي فقيرة، وأحبّ المصري الذي لايعرفُ سوى الجذل ولطافة المعشر حتى لو كان غاطساً في بركة من معضلات الحياة ، وسيكون موهوماً من يحسبُ أنّ هذا الحبّ لمصر وشعبها هو محضُ عاطفة مندفعة غير محسوبة. كلا الأمر مختلف، هذا جزء من التفكير الستراتيجي اللازم للحفاظ على ماتبقى من هويتنا العربية، مصر هي عمود البيت في الجسم العربي رغم نزعتها الفرعونية التي تلملم شمل أبنائها، ولسنا غافلين عن مشاكلها البنيوية العديدة؛ لكنّ الفرق هو بين من يرى في بارقة ضوء منطلقاً للأفضل، وبين فاشلين- أفراداً وحكومات – أدمنوا الخراب وخلل الولاء.
ليت حكومة العراق تتعلّم من هذا العرض المصري الإحتفالي العظيم، وتفهمُ كيف تعزفُ الأناشيد الملوكية الفخمة تحية مستوجبة للملكة السومرية بو آبي الجميلة مثلما تعزف لرأس الملك ( سنطروق ) المستعاد بدل أن تستقبله سفارتها في صندوق خضار من بلاستيك معاد الصنع ..!