كشف استقصاء أجرته "المدى" عن قيام الحكومة العراقية مؤخرا بالتعاقد مع شركة تبدو وهمية، مسجل أن مقرها في دولة الامارات العربية المتحدة ، لتجهيزها بـ 300 الف طن من مادة السكر بقيمة 222 مليون دولار، وبسعر يفوق الاسعار العالمية بـنحو 200 دولار للطن الواحد، وهو ما يعني تكليف موازنة الدولة نحو 60 مليون دولار يمكن ان تكون من حصة مسؤولين كبار في الدولة وشركاء لهم في شركات وهمية.
وتوضح المعطيات التي حصلت عليها "المدى" ان الصفقة تمت بطريقة الاحالة المباشرة من دون وجود شركات منافسة، وقد تم منح الشركة التي وقع عليها الاختيار 10 % من قيمة العقد قبل البدء بالتسليم.
وتشوب الصفقات التي تبرمها الوزارات العراقية الكثير من شبهات الفساد بما جعل الدولة العراقية تحتل مراتب متقدمة في قائمة الدول الاكثر فساداً. وتشير اغلب الاحصائيات التي تصدرها جهات رقابية عراقية الى وزارات التجارة والدفاع والكهرباء بانها الاكثر فساداً بين مؤسسات الدولة.
ويشوب الغموض مصير صفقة أسلحة أبرمتها الحكومة مع روسيا بقيمة زادت عن 4 مليار دولار بعد الكشف عن تورط مسؤولين حكوميين وحزبيين بأخذ عمولات تصل الى مئات ملايين الدولارات.
وتضمنت قرارات اتخذها اجتماع مجلس الوزراء بجلسته 45 بتاريخ 16 / 10/ 2012 "اقرار توصية لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن قيام وزارة التجارة بالتعاقد مع شركة المؤيد للتجارة العامة الإماراتية بصفتها الوكيل المخول لشركة الخليج للسكر الإماراتية استثناء من الفقرة 1 من قرار مجلس الوزراء رقم 37 لسنة 2011 والموافقة على قيام وزارة التجارة بشراء كمية 300 الف طن + 5% من مادة السكر بمبلغ إجمالي مقداره (222.9) مليون وتسعمائة دولار".
ويلاحظ ان التوصية تضمنت ما يلي:
1- ان الصفقة مع شركة المؤيد للتجارة العامة تمت بطريقة الإحالة المباشرة من دون وجود عطاءات لشركات اخرى منافسة وبأسلوب المناقصة المعمول به في العقود المشابهة.
2- ان الاحالة رست على شركة وسيطة لتجهيز مادة السكر تدعي احتكارها التعاقد مع شركة أخرى هي (شركة الخليج للسكر) والتي تقوم بشراء المواد المتعاقد عليها من الاسواق العالمية.
3- بجردة حساب بسيطة يتبين لنا ان الصفقة أبرمت على اساس سعر 743 دولار للطن الواحد.
4- لم يتضمن المحضر الاشارة الى سبب الاحالة على شركة وسيطة، ولا سبب عدم التعاقد مع شركة الخليج نفسها، فضلا عن عدم التطرق لاسباب الاعراض عن التعامل مع البورصة العالمية للسكر عن طريق طرح مناقصات دولية.
وفي الجلسة 48 المنعقدة بتاريخ 6/11/ 2012، اي بعد نحو عشرين يوما من تاريخ الاحالة، قرر مجلس الوزراء "تخويل وزير التجارة تسديد دفعة مقدمة تبلغ 10% (من قيمة صفقة السكر مع شركة المؤيد) الى الشركة المتعاقدة مقابل كفالة مصرفية تقدمها الشركة من المصرف العراقي للتجارة تعادل مبلغ السلفة النقدية الأولية ضمن إجراءات التفاوض مع شركة المؤيد للتجارة العامة الإماراتية ويكون شرط التسليم المتفق عليه مع الشركة الإماراتية على أساس FIC liner out مدفوع الكلفة والتأمين والشحن لغاية الوصول الى ميناء أم قصر وأن يتحمل البائع أجور التفريغ في ميناء أم قصر". وبذلك تكون الحكومة قد قررت تسديد ما قيمته 22 مليون دولار لشركة المؤيد للتجارة العامة كدفعة اولى من قيمة العقد الكلي.
لكن بحثاً اجرته "المدى" عن (شركة المؤيد للتجارة العامة) كشف عن ان هذه الشركة لا تملك موقعاً الكترونياً أصلاً، وكل ما تم العثور عليه حول هذه الشركة لا يتعدى بيانات مقتضبة تتضمن اسم الشركة وصندوق بريدها في امارة الشارقة ورقمين لهاتف وفاكس ، خلافا لـ (شركة الخليج للسكر) التي تمتلك موقعا الكترونيا يتضمن بيانات وافية عن السجل التجاري للشركة وخارطة تعاملاتها وعدد العاملين فيها، كما يتضمن ايضا عنوان الشركة الكائن في منطقة جبل علي التجارية في دبي. ويمكن لمن يريد الاطلاع على تفاصيل هذه الشركة زيارة الرابط :
http://www.alkhaleejsugar.ae/index.php/ar/home
اذن فالحكومة العراقية تركت التعاقد مع (شركة الخليج للسكر) وقررت التعاقد بمئات الملايين من الدولارات مع شركة وسيطة (المؤيد للتجارة العامة) لا تتوفر عنها بيانات كافية.
وكانت صفقة ابرمتها وزارة الكهرباء اواسط عام 2011 مع شركتين المانية وكندية بقيمة 1.7 مليار دولار ادت الى اطاحة الوزير السابق رعد شلال بعد اكتشاف افلاس إحداهما وعدم وجود الشركة الاخرى الا على الورق عبر عنوان يشبه عنوان شركة المؤيد هذه.
وبعيداً عن حقيقة (شركة المؤيد للتجارة العامة) والتساؤلات التي تثار حول التعاقد معها وعدم التعاقد بشكل مباشر مع الشركة المجهزة وهي شركة الخليج للسكر الموجودة في دولة الامارات نفسها، فان تساؤلات أشد تثار حول مبلغ العقد الذي اثبت الاستقصاء الذي اجرته "المدى" انه يفوق أعلى سعر وصلته مادة السكر في تاريخ التعاملات التجارية.
فبحسب موقع (sugartech) المتخصص بتعاملات بورصة السكر في العالم، فان سعر الطن الواحد تراوح في الاول والثاني من الشهر الحالي بين 529,50 - 539,60 دولاراً فقط، اي بافرق يصل الى 200 دولار للطن الواحد (60 مليون دولار للصفقة كلها) عما تم التعاقد عليه مع شركة المؤيد للتجارة العامة وهو (743 دولار).
ويوضح موقع (sugartech) ان اعلى سعر بلغه الطن الواحد لمادة السكر خلال العام الحالي سجل في منتصف شهر آب الماضي اذ بلغ 572,3 دولار. ويضيف الموقع (http://www.sugartech.co.za/sugarprice/) ان اعلى سعر في تاريخ بورصة السكر كان 667 دولار للطن الواحد سجل عام 1974، وان اقل سعر كان 250 دولارا للطن عام 98 / 1999.
ومما تقدم يتضح ان مجلس الوزراء قرر التعاقد مع شركة تبدو وهمية فلا تتوفر بيانات واضحة عنها وبسعر اعلى من المعدل الذي سجلته البورصات العالمية بعد عشرين يوما من ابرام الصفقة. كما يتضح ايضا ان العراق ومؤسسات الرسمية لا زالت تفضل التعاقد مع شركات وسيطة ويعرض عن الذهاب الى الشركات الرئيسة المجهزة، خلافا لتعليمات مجلس الوزراء نفسه، او طرح مناقصات دولية كما هو الحاصل في بعض مواد البطاقة التموينية كالحنطة والارز والزيت.
عدد من خبراء المال والاعمال يفيدون بان مسؤولين كبارا في الدولة انشأوا شركات وهمية او شبه وهمية في الخارج لتمرير صفقات شبيهة بصفقة السكر هذه وبصفقتي الكهرباء الوهميتين.