موسكو – عبدالله حبه
يتمتع الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي بمكانة خاصة في المكتبة العربية منذ أن نشر الأديب السوري المعروف سامي الدروبي ترجمة أهم أعماله من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية.
وأصبحت هذه التراجم مصدر كسب مربح للناشرين في مختلف أنحاء العالم العربي الى جانب أعمال دوستويفسكي الأخرى المترجمة سواء من الروسية أم من اللغات الوسيطة ، وعمدت حتى دار " التقدم " السوفيتية الى إعادة نشر عدد من رواياته بترجمة سامي الدروبي بعد مراجعتها مع النص الروسي. طبعا أكتشف المراجعون بعض الهفوات ربما إرتكبها المترجم الفرنسي أو سامي الدروبي ، مما يدعو الى الإعتقاد بأن التراجم من لغة وسيطة لا تعكس -حقاً - النص الأصلي بصدق.
وأراد المترجم العراقي القدير خيري الضامن تعريف القارئ العربي برسائل دوستويفسكي فترجم مختارات منها التي نشرتها في مجلدين دار نشر " سؤال " اللبنانية، وبدا أن الأمر سينتهي عند هذا الحد .
لكن أسواق الكتب في البلدان العربية إمتلآت فجأة بطبعة جديدة للرسائل وبتصميم الغلاف نفسه والنص الموجز عن الكتاب في الصفحة الأخيرة من الغلاف ، وتحمل الطبعة الجديدة إسم مترجم جديد هو سامي الدروبي. وقد صعق خيري الضامن لدى علمه بهذه العملية اللصوصية ، ولم يعرف موقف دار النشر اللبنانية"سؤال" التي نشرت ترجمته من هذا التزييف والتي تمتلك حقوق النشر.
علماً أن الطبعة المزيفة تتضمن إشارة الى أن الرسائل مترجمة من اللغة الروسية ، لكن سامي الدروبي لم يعرف اللغة الروسية أبداً وترجم أعمال دوستويفسكي من الفرنسية ، كما يشار في الطبعة الى أن معهد الترجمة بموسكو قدم الدعم لنشر هذه الطبعة المزيفة. لكنني علمت من المعهد إنهم لم يقدموا أي دعم الى دار النشر المزيفة وهي " المركز الثقافي العربي" في الدار البيضاء – المغرب ، والغريب في الأمر أن الطبعة تتضمن إشارة الى أن التبويب وترقيم الرسائل جاءا كما في طبعة دار " سؤال"، إن أصحاب هذا المركز الذي يوجد له مكتب في بيروت أيضاً هم من " لصوص الثقافة" ، ولهذا إقترح تغيير إسمه الى " المركز العربي لسرقة الثقافة ".
وجدير بالذكر إن خيري الضامن قد أنجز ترجمة رسائل أنطون تشيخوف في مجلدين ولكنه يخشى تسليمها الى أحد من الناشرين "التجار" الذي سيكررون ما فعلوه لترجمة رسائل دوستويفسكي، وكنت دائماً أعتقد بأن الترجمة من مسؤولية الدولة كما كانت في زمن "بيت الحكمة" في بغداد، ومن الواجب أن تقوم وزارة الثقافة بمهمة انتقاء نفائس الأدب العالمي ونشرها ، لكن الوزارة العراقية لا تقوم بهذه المهمة ذات المسؤولية الكبيرة، وأنا أكرر دائماً إن أكبر مشروع ثقافي عالمي قد نفذه مكسيم غوركي في أوائل العهد السوفيتي حينما طرح مشروع "المكتبة العالمية " وتمت ترجمة كنوز الأدب العالمي من مختلف اللغات ومنها العربية الى اللغة الروسية ، وتولى الترجمة كبار الأدباء الروس ولهذا جاءت بمستوى رفيع جداً.
وما زال القارئ الروسي يتمتع بمطالعة هذه الكنوز، وبالرغم من قول بعض الباحثين حالياً إن عصر"الكتاب" قد إنتهى وستعقبه فترة "ما بعد المودرن" الحالية ، ويبدأ عصر العلم والتكنولوجيا العالية والعقل الصناعي ، فإن الكتاب ما زال يمارس دوره في تكوين فكر الإنسان ونموه.