TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > كتاب الطبيعة.. والصلة المتناغمة بين العلم و الدين

كتاب الطبيعة.. والصلة المتناغمة بين العلم و الدين

نشر في: 22 مايو, 2010: 04:28 م

ترجمة / عادل الصادقيمكن لاستعارة غاليلو الشهيرة " كتاب الطبيعة " ، التي كان يستخدمها للدفاع عن عمل العلماء إزاء السلطات الدينية ، أن تتسم بالخطورة اليوم ، كما يقول رويرت كريس . ففي عام 1623 ، اصطنع غاليلو استعارة ما زالت ترد في الغالب على ألسنة العلماء .
فالطبيعة ، كما قال ، كتاب مكتوب بـ " لغة الرياضيات " . و إذا لم نستطع أن نفهم تلك اللغة ، سنكون محكومين بالتخبط هنا و هناك كما لو " في متاهة معتمة " . و كما هي الحال مع غيرها من الاستعارات ، فإن لهذه الاستعارة وجهين : فهي متبصرة insightful ، و لكن يمكن أن تكون مضللة إذا ما أُخِذت حرفياً . فهي تستولي على إدراكنا أن حقائق الطبيعة مفروضة بطريقةٍ ما علينا ـ أنها مدموغة في العالم ـ و هي تؤكد الدور الأساسي الذي تقوم به الرياضيات في التعبير عن تلك الحقائق .     غير أن غاليلو ابتكر الاستعارة لغرض معين . و بانتزاعه هذا المفهوم  من سياقه التاريخي و وضعه في سياقنا نحن، يمكن أن يكون مضللاً بطريقة خطرة . على كل حال ، إن فكرة كتاب الطبيعة لم تنشأ مع غاليلو . فلقرونٍ عديدة ظلت جزءاً من اعتقاد ديني بإن العالم يحتوي على كتابين أساسيين . فالطبيعة ، و هي الكتاب الأول ، مليء بالإشارات التي توحي بمعنىً أعمق حين تُفسَّر وفقاً للكتاب المقدس ، و هو الكتاب الثاني ، الذي يزودنا بالمعنى المطلق أو تركيب إشارات الطبيعة . و كان فهم الأمور يتطلب قراءة الكتابين معاً ، و المضي إلى الوراء و إلى الأمام ما بين ما يجده المرء في العالم و ما يقرأه في الكتاب المقدس . و في الحقيقة ، كانت قراءة الإنجيل فيما مضى جزءاً و حزمة من دراسة الطبيعة ، و ليست غير علمية بأية حال .      و مهما كان الأمر، فخلال عصرالتنوير صار الدارسون يدركون على نحوٍ أكثر ذكاءً أن من غير السهل على الدوام تمييز حقائق الطبيعة . و بالأحرى ، فإن مثل هذه الحقائق غالباً ما تكون مشفَّرةً بطريقة ذكية في الطبيعة و لهذا يتطلب الأمر تدريباً خاصاً لفكها . و في غضون ذلك ، أحدث الإصلاح البروتستانتي تغيرات في فهم النصوص ، مؤكداً على الحقائق التي كانت دقيقة و تامة في ذاتها أكثر مما هي رمزية أو مجازية .     و بناءً على هذه التغيرات العلمية و الدينية ، قرر غاليلو عام 1623 أن يخصص استعارة " الكتابين " لأغراضه هو ليتخلص من ورطة . و كانت متاعبه ، في الحقبقة ، قد بدأت قبل عقد من الزمن ، عندما كان أحد تلامذته يناقش عمل غاليلو و لاحظ أحد المشاركين التضارب بين الكتاب المقدس و ادعاءات غاليلو العلمية ، و خاصةً فيما يتعلق بحركة الأرض . و كانت السلطات أيضاً تهدد بوضع De Plevolutionibus  ، الذي كنبه حليف غاليلو الفكري كوبرنيكوس ، على القائمة الرسمية للكتب الممنوعة لأسباب مماثلة.     فكتب غاليلو ، القلق على نفسه و على علماء آخرين ، رسالة إلى الدوقة الكبيرة كريستينا بشأن الصلة بين العلم و الكتاب المقدس. و في تلك الرسالة التجأ إلى الفكرة التقليدية بأن الله يكشف عن نفسه للبشر في كتابين ـ الطبيعة و الكتاب المقدس . و أشار إلى أن كلا الكتابين  يعبران عن حقائق أبدية و هما متناغمان لأنهما للمؤلف نفسه ـ الله الذي يقول الشيء نفسه بطريقتين مختلفتين.     و يبدو أن حجج غاليلو فد أقنعت كريستينا ، لكن ليس السلطات . ففي عام 1616 ، وُضِع De Plevolutionibus  على القائمة إياها ، متبوعاً بكتاب كيبلر المدرسي عن النظرية الكوبرنيكوسية في الفلك في عام 1619 ، و أصبح غاليلو نفسه عرضة للهجوم . و رداً على ذلك إلى حدٍ ما ، كتب " المحللThe Assayer  " ، الذي يتضمن العبارة الشهيرة " إن الكتاب الكبير للكون ... لا يمكن فهمه ما لم يتعلم المرء أولاً فهم اللغة و قراءة الألفباء التي يتألف منها ... لغة الرياضيات . " و كان أولئك المتضلعون في الرياضيات و الفيزياء ، بتعبير آخر، يستطيعون معرفة أوجه منجَز الله الذي لا يستطيع غيرهم معرفته .     و اختار غاليلو استعارته بعناية ، و كانت جذورها عميقة في الميتافيزيقيا و اللاهوت الغربي فهي ، أولاً ، كانت تستخدم الفكرة التقليدية القائلة بأن الله يكشف عن قوته ، و عظمته ، و حقيقته في العالم . و ثانياً ، كانت تعتمد على الملاحظة التقليدية بالتساوي التي تفيد بأن الإنجيل لا يمكنه أن يقف بالضد من تجليات المنطق الواضحة أو الحواس . و أخيراً ، كانت تحتكم إلى التناظر المقدس بالقِدَم time-honoured للطبيعة ككتاب . فكان غاليلو على أرضية لاهوتية صلبة .     و في الحقيقة ، كان غاليلو قد أوقف المفهوم القديم على رأسه ، حتى و إن لم يكن مدركاً تماماً لما قد فعل . فقد تضمن مفهوم كتاب الطبيعة الآن شيئاً ما مضاداً تقريبا لما كان ينطوي عليه من قبل ـ أن إشارات الطبيعة كان لها معناها التام في ذاته و الخاص بها . و لفهم الطبيعة ما كان المرء سيحتاج إلى الإنجيل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram