ترجمة / عادل الصادقيمكن لاستعارة غاليلو الشهيرة " كتاب الطبيعة " ، التي كان يستخدمها للدفاع عن عمل العلماء إزاء السلطات الدينية ، أن تتسم بالخطورة اليوم ، كما يقول رويرت كريس . ففي عام 1623 ، اصطنع غاليلو استعارة ما زالت ترد في الغالب على ألسنة العلماء .
فالطبيعة ، كما قال ، كتاب مكتوب بـ " لغة الرياضيات " . و إذا لم نستطع أن نفهم تلك اللغة ، سنكون محكومين بالتخبط هنا و هناك كما لو " في متاهة معتمة " . و كما هي الحال مع غيرها من الاستعارات ، فإن لهذه الاستعارة وجهين : فهي متبصرة insightful ، و لكن يمكن أن تكون مضللة إذا ما أُخِذت حرفياً . فهي تستولي على إدراكنا أن حقائق الطبيعة مفروضة بطريقةٍ ما علينا ـ أنها مدموغة في العالم ـ و هي تؤكد الدور الأساسي الذي تقوم به الرياضيات في التعبير عن تلك الحقائق . غير أن غاليلو ابتكر الاستعارة لغرض معين . و بانتزاعه هذا المفهوم من سياقه التاريخي و وضعه في سياقنا نحن، يمكن أن يكون مضللاً بطريقة خطرة . على كل حال ، إن فكرة كتاب الطبيعة لم تنشأ مع غاليلو . فلقرونٍ عديدة ظلت جزءاً من اعتقاد ديني بإن العالم يحتوي على كتابين أساسيين . فالطبيعة ، و هي الكتاب الأول ، مليء بالإشارات التي توحي بمعنىً أعمق حين تُفسَّر وفقاً للكتاب المقدس ، و هو الكتاب الثاني ، الذي يزودنا بالمعنى المطلق أو تركيب إشارات الطبيعة . و كان فهم الأمور يتطلب قراءة الكتابين معاً ، و المضي إلى الوراء و إلى الأمام ما بين ما يجده المرء في العالم و ما يقرأه في الكتاب المقدس . و في الحقيقة ، كانت قراءة الإنجيل فيما مضى جزءاً و حزمة من دراسة الطبيعة ، و ليست غير علمية بأية حال . و مهما كان الأمر، فخلال عصرالتنوير صار الدارسون يدركون على نحوٍ أكثر ذكاءً أن من غير السهل على الدوام تمييز حقائق الطبيعة . و بالأحرى ، فإن مثل هذه الحقائق غالباً ما تكون مشفَّرةً بطريقة ذكية في الطبيعة و لهذا يتطلب الأمر تدريباً خاصاً لفكها . و في غضون ذلك ، أحدث الإصلاح البروتستانتي تغيرات في فهم النصوص ، مؤكداً على الحقائق التي كانت دقيقة و تامة في ذاتها أكثر مما هي رمزية أو مجازية . و بناءً على هذه التغيرات العلمية و الدينية ، قرر غاليلو عام 1623 أن يخصص استعارة " الكتابين " لأغراضه هو ليتخلص من ورطة . و كانت متاعبه ، في الحقبقة ، قد بدأت قبل عقد من الزمن ، عندما كان أحد تلامذته يناقش عمل غاليلو و لاحظ أحد المشاركين التضارب بين الكتاب المقدس و ادعاءات غاليلو العلمية ، و خاصةً فيما يتعلق بحركة الأرض . و كانت السلطات أيضاً تهدد بوضع De Plevolutionibus ، الذي كنبه حليف غاليلو الفكري كوبرنيكوس ، على القائمة الرسمية للكتب الممنوعة لأسباب مماثلة. فكتب غاليلو ، القلق على نفسه و على علماء آخرين ، رسالة إلى الدوقة الكبيرة كريستينا بشأن الصلة بين العلم و الكتاب المقدس. و في تلك الرسالة التجأ إلى الفكرة التقليدية بأن الله يكشف عن نفسه للبشر في كتابين ـ الطبيعة و الكتاب المقدس . و أشار إلى أن كلا الكتابين يعبران عن حقائق أبدية و هما متناغمان لأنهما للمؤلف نفسه ـ الله الذي يقول الشيء نفسه بطريقتين مختلفتين. و يبدو أن حجج غاليلو فد أقنعت كريستينا ، لكن ليس السلطات . ففي عام 1616 ، وُضِع De Plevolutionibus على القائمة إياها ، متبوعاً بكتاب كيبلر المدرسي عن النظرية الكوبرنيكوسية في الفلك في عام 1619 ، و أصبح غاليلو نفسه عرضة للهجوم . و رداً على ذلك إلى حدٍ ما ، كتب " المحللThe Assayer " ، الذي يتضمن العبارة الشهيرة " إن الكتاب الكبير للكون ... لا يمكن فهمه ما لم يتعلم المرء أولاً فهم اللغة و قراءة الألفباء التي يتألف منها ... لغة الرياضيات . " و كان أولئك المتضلعون في الرياضيات و الفيزياء ، بتعبير آخر، يستطيعون معرفة أوجه منجَز الله الذي لا يستطيع غيرهم معرفته . و اختار غاليلو استعارته بعناية ، و كانت جذورها عميقة في الميتافيزيقيا و اللاهوت الغربي فهي ، أولاً ، كانت تستخدم الفكرة التقليدية القائلة بأن الله يكشف عن قوته ، و عظمته ، و حقيقته في العالم . و ثانياً ، كانت تعتمد على الملاحظة التقليدية بالتساوي التي تفيد بأن الإنجيل لا يمكنه أن يقف بالضد من تجليات المنطق الواضحة أو الحواس . و أخيراً ، كانت تحتكم إلى التناظر المقدس بالقِدَم time-honoured للطبيعة ككتاب . فكان غاليلو على أرضية لاهوتية صلبة . و في الحقيقة ، كان غاليلو قد أوقف المفهوم القديم على رأسه ، حتى و إن لم يكن مدركاً تماماً لما قد فعل . فقد تضمن مفهوم كتاب الطبيعة الآن شيئاً ما مضاداً تقريبا لما كان ينطوي عليه من قبل ـ أن إشارات الطبيعة كان لها معناها التام في ذاته و الخاص بها . و لفهم الطبيعة ما كان المرء سيحتاج إلى الإنجيل
كتاب الطبيعة.. والصلة المتناغمة بين العلم و الدين
نشر في: 22 مايو, 2010: 04:28 م