 بغداد/ إخلاص داود

"منذ الأشهر الأولى من زواجنا أيقنت أن صدمة الخيانة من خطيبته السابقة، سهم اصاب صميم قلبه وأفقده الثقة بشركاء العمل والحياة، لكن وكما يقال (الفأس وقع بالرأس) ووثيقة الزواج التي تمت بيننا يجب ان تبقى سارية المفعول حتى الممات، تقول ليلى لـ(المدى).

وتكمل ليلى عبد الرزاق التي تخطت الأربعين منذ أسبوعين، وعلى طرف فمها ابتسامة توحي بالحزن والاستهزاء: "هذه الغصة التي لم يمح آثارها الزمن جعلتنا في شجار مستمر دام خمس عشرة سنة، وأذكر في أحد الأيام طلبت منه أن يصنع لي حزام العفة من الحديد وترك المفتاح عنده، كما كان يفعلها الإغريق في القرون الوسطى، كان طلبي حقيقيا، فقد كنت في وقتها على استعداد لتجربة كل الحلول مهما كانت من اجل ان يمنحني القليل من الثقة لأشعر بالحرية، إلا الحل بالطلاق فكان مستبعد تماما، لأن عائلتي كانت ترفض رفضا قاطعا.

شيوع وتقبل فكرة الطلاق

وتقول (ليلى)، بعد تغيير النظام البائد أصبحت المطلقات في محيطي كثيرات وهذا شجعني كثيرا كما وجدت هناك تقبلا لدى أهلي لفكرة الطلاق بعد استشهاد والدي في أحد التفجيرات.

بدورها، تقول الناشطة في حقوق الانسان مثال كاطع حبيب، "وفق احصائية صادرة من مجلس القضاء الأعلى لشهر كانون الثاني لسنة 2020، تبين أن أكثر من 23% من حالات الزواج قد انتهت بالطلاق، أي ما يقارب لكل 4 زيجات، واحدة منها تنتهي بالطلاق.

لقد اصبحت نسب الطلاق اكثر بكثير من نسب الزواج يقول المحامي مرتضى صادق الموسوي في بداية حديثه ويكمل: اكثر اسباب حالات الطلاق التي ترد في المحاكم العراقية، هي انعدام ثقافة الحوار والتسامح مما يؤدي الى غياب التفاهم والانسجام بين الازواج وعدم معرفة كلا الطرفين حجم المسؤولية الموكلة اليهما، فضلا عن العادات والتقاليد المنتشرة في مجتمعنا والتي لا تتناسب مع التطور الحاصل في البلاد، و أحلام الشباب الرومانسية حول شريك الحياة المأخوذة من المسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي، كذلك الحروب والتفجيرات غيبت السند الحقيقي للمرأة.

ويضيف الموسوي لـ(المدى): "الذي اسهم بزيادة الطلاق أن أغلبهم يلجأ لزواج القاصرين خارج المحكمة بعقد (شيخ ، مومن)، وإيقاع الطلاق أيضا خارج المحكمة غيابيا او الطلاق الرضائي (الخلع)، وما يقارب 70% من حالات الطلاق تتم خارج تلك المحاكم، هذا دليل قصور القانون وضعفه في معالجة حالات الطلاق وعدم وجود قوة رادعة للحد من هذه الآفة.

أرقام تصاعدية

وتقول ليلى: بعد طلاقي لم أواجه مشاعر الأذى، التي عاشتها أم صديقتي عندما طلقت في خمسينيات القرن الماضي، فقد حذرتني من نبذ المجتمع لي ومواجهة اللوم الشديد، وإبعاد الجيران والاقارب بناتهم عني خوفا من ان اؤثر على افكارهن، لم اواجه سوى مصاعب وضعي المالي المتذبذب.

شيوع فكرة الطلاق غير مفاهيم المجتمع، تقول الناشطة المدنية بنين قاسم: في الامس كانت المطلقة منبوذة من المجتمع ولكن الاهل يساندوها ماديا ومعنويا، هذه الفكرة انعكست اليوم بشكل كبير، فهي مقبولة وتتابع اندماجها في المجتمع بعد الطلاق ولكنها مطالبة من الاهل بتحمل مسؤولياتها المادية.

ويقول نعيم علي العنزي، مختص في قانون الاحوال الشخصية: في سنة 2004 بلغت حالات الطلاق 28,690 حالة، وتدرجت تصاعديا حسب السنين حتى بلغت عام 2018، (73,569) حالة طلاق وكان عدد السكان (38) مليون، بنسبة 19%.

ومن المتوقع ان تكون الاحصائيات لسنة 2021 تتجاوز فيها المليون حالة.

تفعيل دور الباحث الاجتماعي

من جهته، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن المشرِّع العراقي أصدر عام 1985 التعليمات رقم (4)، التي أعطت مساحة واسعة للباحث الاجتماعي لثني المقبلين على الطلاق؛ إلا انه بعد عام 2003 لم يعد دور الباحث الاجتماعي مجديا؛ بسبب ازدياد الحالات. وأشار إلى أن تعليمات مجلس القضاء الأعلى (قواعد تنظيم البحث الاجتماعي) رقم (1) لسنة 2008 لم تحد هي الأخرى من الطلاق إلا بجزء يسير.

وقال المحامي العنزي: هناك زيجات لم تستمر سوى اشهر قليلة ويأتون الى المحكمة للطلاق، وعليه اصبح مهما تفعيل دور الباحث الاجتماعي والعامل النفسي لمساعدة المتزوجين، من خلال تقديم برامج توفر معلومات تثقيفية معرفية لاكتساب المهارات والسلوكيات التي يحتاجها قبل الزواج.

يضيف، على الرغم من ان الهدف من القانون هو تنظيم الحياة الاجتماعية للمواطنين، لكن قانون الاحوال الشخصية قديم ولم تجرِ عليه تعديلات الغاية منها الحد من حالات الطلاق منذ 2003 الى الان.

بالعودة الى المحامي مرتضى الموسوي الذي قال: من الضروري جدا تفعيل دور الباحث الاجتماعي لما له من اهمية في حالات الطلاق، فعند احالة دعاوى الطلاق والتفريق يجب على الباحثين الاجتماعيين دراسة الحالة الاسرية بشكل دقيقة ومحاولة رأب الصدع وتوعية المقبلين على الطلاق وخطورته وتداعياته والحيلولة دون وقوعه.

حلول

وتقول بنين قاسم: هناك تجارب وطرق تعتمدها الدول للحد من ظاهرة الطلاق، ومنها تجربة (رخصة الزواج الإلزامي) والتي تعتمد على الدورات التثقيفية المتعلقة بتغيير المفاهيم حول الزواج والحث على حضور هذه الدورات قبل الزواج، اتمنى ان تطبق في العراق لنجاعتها، وقد بدأت التجربة في ماليزيا وخلال عشر سنوات انخفضت نسبة الطلاق من 32% إلى 7% فقط، وهي منتشرة في دول كثيرة.

ويطرح المحامي نعيم علي العنزي حلولا وهي: اعادة النظر بالتشريعات والقوانين والقرارات الصادرة وتعديلها بشكل يحسن من وضع الاسرة العراقية باعتبار قانون الاحوال الشخصية هو قانون اسرة.

ويتابع، الطلاق ليس مشكلة دائما كما يتصورها الناس انما في الكثير من الاحيان الطلاق حل لمشاكل، والدليل ان بعض الزوجات تطلب التفريق في المحاكم ولا تحصل عليه لسنوات طويلة بسبب امتناع الزوج عن الطلاق.

ويضيف، قدمت مقترحا الى نقابة المحامين لتغيير نص مادة الطلاق الخلعي ليكون نفس توجه القضاء المصري، أي عدم شرط موافقة الزوج على الطلاق في حال رغبت الزوجة ان تخلع زوجها مقابل ان تتنازل عن كافة حقوقها، ولكن عندنا اذا لم يوافق الزوج لا يتم الطلاق الخلعي أي تحويل العصمة او الصلاحية بيد الزوجة فقط في تنفيذ الطلاق الخلعي، وهذا اكيد سيخلق مخاوف من الخلع لدى الزوج ويؤثر عليه ايجابا ليحسن سلوكه تجاه زوجته في حال كان هو المسؤول في خلل العلاقة الزوجية.