طالب عبد العزيز

مع أن التشريعات والقوانين العراقية التي وضعت بعد العام 2003 بحاجة الى مراجعات كثيرة، وتكمن في طياتها عشرات الألغاز والمشاكل، إلا أنَّ العراقيين يجمعون على أن قانون مجالس المحافظات والأقضية هو الحلقة الزائدة في البناء الإداري، وأنَّ التجربة أثبتت فشلها، وأنَّ وجودها كحلقة فساد واضحة أنتجت تعطيل عشرات القوانين، وهي الى ذلك عبء إداري ثقيل، وسبب صريحٌ في تراجع الخدمات وعرقلة المشاريع.

استخلص المواطن العراقي من تجربة الأعوام 2004 وحتى إيقاف العمل بالمجالس تلك في العام 2019 رأياً مفاده أنَّ لا حاجة له بهؤلاء، واستقرت الآراء على أنَّ وجودهم ليس أكثر من حلقة زائدة في سلم المشورة والتنفيذ، ذلك لأنَّ أعداد المراجعين الذين كانت تغصُّ بهم أروقة وغرف مباني المجالس والذين اختفوا باختفاء المجلس لم يستفيدوا شيئاً، مثلما لم يخسروا شيئاً. وكشاهد شخصي كنت أبحث عن مصير المئات من الأضابير والمعاملات تدخل وتخرج، يحملها رجال ونساء، وتتداولها عشرات الأيدي، وتوضع في آلاف الرفوف، وكنت أظن أنها تحمل مصائر إنسانية كبيرة، وحاجات لا بدَّ من تحققها، لكنها، وبعد أن التهمتها النيران في أحداث العام 2019 لم أجد من يتأسف على فقدها.

كنتيجة حتمية، فقد تحولت مكاتب أعضاء المجالس الى دواوين حزبية وعشائرية، ذلك لأن 90 % من الأعضاء إنما جاؤوا من ترشيحات الحزب والعشيرة، حتى بات مناداة الأعضاء بعبارات مثل (السيد والشيخ والحجي) عرفاً وتقليداً، بما أبعد الصفة الوظيفية عن عمل هؤلاء، وحوّل المبنى الحكومي الى مضيف ومسجد وحسينية، ولا نغالي إذا قلنا بأنَّ البعض منهم كان يستقبل حتى المختلف مع زوجته في مكتبه، ويسعى لحل قضيته فيه. أمّا إذا بحثنا في أسباب فشل تنفيذ المشاريع فلن نجد خارج المكاتب تلك أسباباً أخرى، ففي الارفف الكثيرة، وبين الاضابير المغلقة والمفتوحة كان يكمن التحاصص، وتدفع الإتاوات، وتباع الأراضي، ويتم الاستيلاء على العقارات والوصول الى المنافذ والكمارك والموانئ وما الى ذلك، فحلقة الأحزاب كانت وما زالت تطوّق الأمكنة تلك بسلطانها ونفوذها.

في البلدان التي تصنعها دبابةُ المستعمر، ومع الشعوب التي مازال الدين والعشيرة متحكمان في إدارة شؤونها تصبح الديمقراطية طلاءً باهتاً لا معنى له. ذلك لأنَّ مئات السنين من الحكم الاستبدادي ستترك آثارها على بنية الدولة والمجتمع معاً، فيدخل الجميع في دوامة الفوضى، المستبد الكامن والمتحرر النافر لا يمكن أن يجتمعان في ذات واحدة، لذا، فالحل يكمن في إيجاد صيغة جديدة، تمهد للديمقراطية بوصفها طموحاً لا أكثر.

منذ أنْ أحرقت الجماهير مجلس محافظة البصرة في خريف 2018 صرنا نشهد حركة بناء غير تقليدية في المدينة، فقد أكملت أحدى الشركات المحلية مشروع ماء ومجاري وشوارع مدينة القبلة، وتم الاعلان عن بدء المرحلة الثانية من مشاريع مدينة الزبير، وكذلك الحال في مناطق ياسين خريبط وناحية شط العرب وو، وصار المواطن يقول: البصرة تشهد حركة مشاريع غير مسبوقة، هل هناك حاجة ما الى مجلس محافظة؟ محافظ واحد، يساعده معاونان(إداري وفني) مع تفعيل دور دائرة الرقابة المالية، هذا كل ما في الأمر.