فيلكس بيمغارتنر، مظلّي عسكري من النمسا، قرر أن يقفز في الفضاء ليحقق سبقاً لم يسبقه احد من قبل، ويحطم أيضاً رقماً سجل عام 1960 من قبل جو كيتنغر، الذي قفز من جندول مفتوح بعلو (19.5) أميال وبسرعة 614 ميل، دون أن يحطم حاجز الصوت.
لقد استعد فيلكس لهذه القفزة خمسة أعوام، وأجرى تجربتين لها في، روزويل، عن علو 15 ميلاً، في شهر آذار، وعن علو 18 ميلاً في تموز.
وعندما تعرف فيلكس وفريق الخبراء على كافة مساوئ المغامرة وأسوأها، ومن بينها فوران الدم وانفجار الرئتين ازدادت ثقفتهم بالحلول التي لديهم.
وكان د. جوناثان كلارك، الجراح السابق في رحلات ناسا، هو المستشار الصحي لفيلكس، وكانت زوجته روريل كلارك قد توفيت في مكوك الفضاء. كولوميا عام 2003. وكان كلارك قد اكتسب خبرة في منح رواد الفضاء فرص الحياة في مآسي وكوارث تجاربهم.
وكان عامل الخوف الأكبر للفريق هو تصدّع بدلة فيلكس، والتي بإمكانها أن تحدث تلقائياً فقاعات مميتة في سوائل جسمه، وهي حالة تعرف بـ(الدم الفوّار) وهناك ايضاً خطر آخر في مثل تلك الحالات، وهو الدوران بلا توقف، ولا يمكن السيطرة عليه، ويؤدي الى العديد من المشاكل.
ومغامرة (القفزة من الفضاء) تمت برعاية (ريد بول) عصير الطاقة، وأعلن المشرفون على العملية أن 30 فيلم (فيديو) قد صور عنه، مع تصوير القفزة بعدسات مثبتة، ومنها خمسة ثبتت في بدلة فيلكس.
وكان بيمغارتنر، قبل تلك العملية حائراً إن كان سينجح في قفزته الأخيرة أم أن الرياح ستعمل ضد نجاحه، خاصة أن الرياح الباردة، كانت قبل الموعد، تهب في المنطقة، مع أن فريق العمل كان متفائلاً بالنجاح.
وفيلكس الذي قام بأكثر من 500 قفزة من الطائرة والمروحيات وناطحات السحاب في السنوات الـ 25 الماضية، ستكون قفزته الأخيرة هذه آخر أعماله في هذا المجال، إذ قرر قبل الرحلة، الاستقرار مع صديقته، والعمل بعدئذ في عمليات الإنقاذ فوق الجبال وأيضا في مجال مهمات إطفاء النيران في أميركا والسويد.
شيء عن حياة فيلكس
ولد فيلكس بيمغارتنر في 20 نيسان عام 1969 في سولزبيرغ، النمسا، وهو من ممارسي رياضة القفز، ويتمتع بجرأة كبيرة، وقد سجل رقماً في القفز من الفضاء من علو 39 كيلومترا وبسرعة 1،342 كم، في الساعة، في آذار وفي الـ14 من تشرين الاول عام 2012، أصبح الشخص الأول في العالم، يكسر حاجز الصوت بقفزته في الفضاء، وقد أمضى فيلكس فترة من الزمن في الجيش النمساوي حيث تدرب على استخدام المظلات والقفز منها والتدريب ايضاً على الهبوط على أهداف صغيرة المساحة.
أرقام وأماكن
* عندما كان فيلكس طفلاً، حلم بالطيران.
* في عام 1999، حقق الرقم القياسي العالمي في القفز بواسطة المظلة من مبنى مرتفع، عندما قفز من (أبراج بيتروناس) في كوالا لامبور.
* في 25 تموز- 2003، أصبح الرجل الأول الذي يقفز في الهواء عبر القنال الانكليزي، مستخدماً نوعاً من الأجنحة المصنوعة من الألياف النباتية والكربون.
وسجل فيلكس أرقاما قياسية عديدة في القفز في ريودي جانيرو وفرنسا والسويد وتايبي.
وفي الـ15 عام 2012، أكمل فيلكس التجربتين الأوليتين من علو 71،581 قدما، وفي خلالها قفز ثلاث دقائق و43 ثانية حراً وبسرعة تزيد على 360 ميلاً في الساعة، قبل أن يفتح المظلة.
وفي 25 تموز، أكمل التجربة الثانية في القفز من ارتفاع 46،640، واستغرق الأمر 90 دقيقة للوصول الى الهدف.
وفيلكس له خطيبة تدعى نيكول أوتي، وهي عارضة أزياء وملكة جمال سابقة.
فيلكس الشجاع الذي لا يخاف
قفزته من حافة الفضاء شاهدتها الملايين من الناس، وبعد ذلك، أراد فيلكس الحديث عن الخوف الذي تغلب عليه من اجل كسر حاجز الصوت.
ويقول: (أطفال كثيرون يعتقدونني اليوم فيلكس الذي لا يخاف – وآمل أن أجعل الخوف يبرد فقبل شهر تقريباً وصل إلى سرعة 128،100 قدم من كبسولة صغيرة مرتبطة ببالون مليء بالهيليوم، قبل ان يسقط عائداً عبر 24 أميال من الأجواء الباردة المظلمة وبسرعة 833،9 ميل في الساعة.
لقد شاهد الملايين قفزته تلك، وكان رد فعل الإعلام العالمي ضخماً، يوازي ذلك العمل.
وهو كرجل قاده الفضول، وحلم ذات يوم بالطيران وهو مذ كان طفلاً في الخامسة من عمره في النمسا، كان يرسم صورة لنفسه وهو يطير في السماء، وهو اليوم قد حقق أقصى طموحه، لقد شق طريقه من فعاليات غير قانونية، وقفزاته من أعلى المباني في العالم، ليصبح الرجل الأكثر شهرة في العالم.
كان فيلكس يجلس في خلال حديثه، على كرسي وثير في فندق لندن، يتحدث بحماسة رجل اعتيادي قد نجا من تجرب عادية، ويتحدث الرجل الذي يبلغ الـ 43 من عمره، بذكاء، مدركاً أن هناك قوة حقيقية في الاعتراف بلحظات الضعف، ولكن هناك شيئا مدهشا في كشفه، إن مصدر خوفه المختنق كان بدلة فضاء قديمة الطراز.
"لقد خفت وكرهت البدلة تلك، بسبب رغبتي بالحرية.. بدأت القفز في الفضاء لأنني أحببت فكرة الحرية، ولكنك تقع في مصيدة البدلة، والناس يضيفون إليها وزناً زائدا يوما بعد يوم".
أنهم يقولون "حسناً نحن في حاجة إلى قناني الأوكسجين"، وبعد ذلك عدة أسابيع سيكونون "في حاجة الى حقيقة للصدر". وتصبح تلك الحقيقة أكبر وأكبر والبدلة تغدو مرتين وزني الاعتيادي".
إن القفز في الفضاء حالياً، لا يعتبر نوعاً من اللعب انه مخيف، أتذكر اليوم قفزتي الأولى بهذه البدلة، كنت واقفاً في مخرج على ارتفاع 30،000 قدم، وأحسست أنها قفزتي الاولى، الخوف نفسه الذي أحسست به قبل 25 سنة، لم يكن إحساساً مريحاً في تلك البدلة، وهي لم تصبح ابداً جلدي الثاني.
"اعتيادياً، عندما أقفز، في الشتاء، ارتدي قفازات رقيقة، أريد أن اكون مرناً، مع ردود فعل سريعة جداً، ولكن بدلة الفضاء تبطئ حركتي، فأنت ترتدي قفازتين ضخمتين ولا تقدر على الحركة، ولا تستطيع تحريك رأسك بشكل جيد، لتلقي نظرة على ما حولك.
إن البدلة تعيق ذلك، وهكذا فأنا أضع حالياً مرآة على كل من القفازين، كي أرى".
فأنت تفتح (الباراشوت) وتتطلع إلى تحت، إلى المرآة.
"كل مهارة اكتسبتها في خلال الأعوام الماضية أصبحت لا فائدة فيها، حالما أقفز إلى تلك البدلة، وبعد 25 عاماً، كمختص وخبير، فإن البدلة تلك تجعلك ضعيفاً ومكشوفاً".
"لقد بدأت أصبح قلقاً، بعد ساعة من ارتداء البدلة، فبالإمكان أن يجد المرء طريقه ساعة من الوقت، ولكن أن تطلب الأمر خمس ساعات، فانك لن تنتصر في المعركة، ولذلك بدأت اهتم بها كثيراً".
وقد تعقدت المسألة بالنسبة إليها، وتطلب الأمر مساعدة سيكولوجية، كانت تلك المرة الأولى التي اطلب فيها مساعدة سيكولوجية، لقد كانت مسألة محيرة في البداية.
ولم يكن فيلكس يتضايق من البدلة وحدها بل رائحتها ايضاً، "كانت رائحة المطاط، وقد بدأ قلقي في اليوم السابق للرحلة، لم أنم جيداً، وعليّ أن اذهب بالسيارة إلى لانكستر، {في كاليفورنيا، حيث كانت توجد كبسولة تجربته} وسرعان ما تبدأ أفكاري تدور حول البدلة التي ستنتظرني أيضاً وأطلق الأخصائي النفسي على تلك العملية، (قطار الأفكار السلبية)، كنت دائماً مسافراً في ذلك القطار الأسود، وطلب مني الأخصائي التخلي عن تلك الأفكار والتفكير بشكل موضوعي، انه أمر سهل قوله وصعب تنفيذه، ومع ذلك، فعلت ما أراده مني وبدأت أحس مجدداً أنني شخص قوي".
وعلى الرغم مما قاله، فان فيلكس ابتعد عن ذلك المشروع ستة أشهر، وقد عاد إليها بعد أن شاهد شريطاً مصوراً عن بديله (روب) وهو يقوم بعمله في عمليات التجربة وصعق بالأمر، ويقول عما حدث: "شعرت بالغيرة، وساورتني الأفكار وخاطبت البديل: "لا يمكنك أن ترتدي بدلتي، لقد شاهدت ما عرضته الـ BBC يوم أمس، وكان الأمر مزعجاً، لأنك ترى اسمي على الخوذة، وستدرك انك لستَ فيلكس بل شخص آخر".
"لقد انزعجت جداً لما رأيت روب يأخذ مكاني".
اللحظة الأصعب: عندما فقدت فريقي
نغادر الفندق، ويواصل فيلكس كلامه: "كانت اللحظة الأصعب، عندما فقدت فريقي، بعد عودتي من النمسا، وقال لي الخبير في (الباراشوت)، لم يعتقد احد من انك ستواصل المهمة، دخلت غرفة قيادة العمل، ورأيت جميعهم جالسين على الطرف الآخر من المنضدة، كل أصدقائي، وما أدركت من العلامات البادية على وجوههم، أنهم يقولون لي: لا أحد يتصور أنني سأقوم بذلك العمل مجدداً.
لقد اهتز فيلكس لذلك، كجندي سابق، وقائد فريق ورجل عملي: "لقد فقدوا إيمانهم به".
آرت تومبسون (مدير المشروع)، مايك تود (المهندس)، لم أفكر مطلقاً أن مايك ستساوره الشكوك تجاهي، لأنه كان بمثابة والدي، وكان مفتاح تلك الدقائق التي يساعدني في خلالها على ارتداء البدلة، في الفرقة الخاصة بي، مثل ملاكم مع مدربه، قبل أن ينزل الى حلبة المباراة، لكنه كان، آنذاك، جالساً على الجانب الآخر من المنضدة، "لم يعد احد ما يثق فيّ".
وكانت تلك اللحظة صعبة جداً حقاً، إن الخوف من الأماكن المغلقة، كانت العقدة التي أعاني منها دائماً، إنها ليست غلطتي، انه شيء في عقلي.
وبدأ فيلكس آنذاك بالتفكير في كيفية استعادة مكانته القيادية، كان راغباً جداً بذلك الأمر.
وبعد فترة بدا مفعول محاولته واضحاً، وبعد أسبوعين كان كل واحد من الفريق فعّالاً وإيجابياً، وأدرك هو بعدئذ، انه كان على استعداد للبدء.
ومع ذلك، فان الشكوك كانت تحاصره، كنت قلقاً، آنذاك، خوفاً من عدم تمكني الطيران بسرعة الصوت.
أو حسب أسوأ (سيناريو) لن أكون سريعاً مثل جو كيتينغر في عام 1960، وكان عليّ بعدئذ التفسير للعالم والشرح، كيف أنني وبعد 25 عاماً أكون أبطأ من جو. كانت تلك مشكلة أخرى أعاني منها، وثقلاً أرزح تحته.
اعتقد أن الناس تدرك ماذا يعني ان يقوم شخص ما بعمل يراقبه الجميع، العالم بأكمله، من اليابان والى رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
وتواصلت مشكلته، عندما سبح في الفضاء إلى ارتفاع 24 ميلا، تطلب الأمر ثلاث ساعات لترفع الكبسولة في البالون، إلى الفضاء، وعند ذلك، بدأ فيلكس يزفر وبصره يغشي ويعتم، وإمكانيات القيام بالقفزة، (شبه أعمى) بدأ يهدد المهمة، وكان عليه تحمل تجارب أخرى قبل التأكد من أداء الكبسولة.
مشاكل في الفضاء
كان الوقت قليلاً أمامه حالما يغادر كبسولته، وبدأ في الدورات بالفضاء بسرعة جعلته دوّاراً بدون سيطرة على حركته، "كانت أمامي دقيقة واحدة فقط لإيجاد حل وأنا في حالة الدوران تلك، بقيت أفكر هل عليّ الضغط عل الزر لسحب (الباراشوت) – إيقاف تلك الحركة، ولكن ذلك يعني انتهاء كل شيء وإنني لن أطير بسرعة الصوت - ومع ذلك كان ضرورياً الوصول إلى حل!".
كان عليه الاحتفاظ بهدوئه، "كنت، عقلياً، أحس بالبرود، وأسوأ مخاوفي، لم يكن الموت، بل الفشل في تحقيق مهمتي، ولكنني تجاوزت المشكلة، فرحت، لم أمت، بدا الامر شاقاً، ولذلك السبب بقي جو محتفظاً بلقبه لـ25 سنة والكثير من الناس يقلّلون من أهمية هذا العمل.
ويفكر فيلكس طويلاً عندما يسأل من قبل الناس عن أحلى دقائق قفزته، ويقول:"كانت هناك دقائق حلوة كانت إحداها، وقوفي وقدمي في الخارج قبل الخروج من الكبسولة بعدها، لقد عملنا من اجل تلك اللحظات، خمسة أعوام، وعندما وقفت هناك – متحررا تماماً من كافة الأسلاك الغليظة (كيبلات) – علمت أن الأمر سيتحقق كانت تلك اللحظة فريدة من نوعها حقاً ومريحة ايضاً.
وبعدئذ، وأنت تفتح البالون، تدرك أن الأمر قد انتهى – (مايك ما زلت حياً)، كان هو آخر شخص رأيته قبل صعودي، وأجاب (OK) أراك على الأرض، وبالإمكان معرفة انه لم يكن متأكداً 100% وكذلك كنت، نحن نهيئ للأسوأ ونأمل الأفضل، ومضت بعدئذ ثلاث ساعات ومايك هو الشخص الذي أراه أولاً بعد أن ينتهي كل شيء، كان يقلق تجاهي وكأنني ابنه، وكنت تواقا لرؤية ابتسامته، وهو يتحدث عن والدته ايضاً بعاطفة جياشة لأحاسيسها الرقيقة تجاهه.
مشاعر فيلكس وأحاسيسه
وعن تجربته تلك، يقول: "كان الأمر مثل جهنم، وحشياً، قاسياً في بعض الأحيان، كان الأمر أصعب مما يتصوره الكثيرون، وفي تلك المرحلة، التي يبدأ فيها المرء بالدوران حول نفسه، يتسلل الخوف إلى النفس، كنت أجاهد، طيلة طريقي للنزول لأنني أدركت انه لا بد من دقيقة قادمة، أسيطر فيها على الحالة".
"إن التجربة بمثابة السباحة دون ملامسة الماء، وهي صعبة لأنك ستدور باستمرار، وعليك معرفة ما عليك فعله، وتتصور انك أمام الموت أو الحياة".
"كان هناك ثقل كبير في رأسي، ولكنني لم أحس وكأنني سأموت، علمت أن وضعي جيد وإنني سأسيطر على الأمر".
كان اهتمامه الأول ألا يفشل أمام عائلته، ووصف ذلك بقوله: "لا يريد المرء أن يموت أمام والديه وأمام كل هؤلاء الناس، وقلت لنفسي، "يا رب، أرجو منك عدم التخلي عني".
وكان فيلكس قد تقدم لخطبة صديقته (أوتي)، وقررا الزواج في ليلة رأس السنة القادمة، وسيستقر الاثنان في سويسرا، ويعمل فيلكس طياراً في طائرة عمودية للإنقاذ في الجبال.
"لقد وصلت قمة ولا أريد الوصول إليها مجدداً، الكثير من الأطفال، يقولون – إنني فيلكس الذي لا يخاف، وعلى كافة الأطفال أن يعرفوا أن فيلكس له مخاوفه أيضاً - ولكنني آمل أن أهدئ الخوف، وعليهم مخاطبة مخاوفهم، كما فعلت، كانت البدلة عدوّتي الأسوأ، ولكنه أصبح صديقي –لأنك كلما ارتفعت، كلما احتجت إلى البدلة، إنها تمنحك الوسيلة الوحيدة للإنقاذ، لقد تعلمت حب البدلة وأنا هناك في الأعلى).
*عن مصادر متعددة