TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > بعقوبة .. ذاكرة وتواريخ

بعقوبة .. ذاكرة وتواريخ

نشر في: 23 مايو, 2010: 04:39 م

سعد محمد رحيمكل مدينة نسيج سردي.. فعل أشخاص، وتاريخ حكايات في الزمان والمكان، وأن تسرد عن مدينة مثل بعقوبة معناه أن تستدرج من ظلمة القرون إلى فسحة النور أجيالاً من البشر، وسلالات من نخيل وفاكهة وفاختات وعصافير، وآلافاً من بنايات شيدت واندثرت ولم يبق منها حتى الأطلال، ومليارات لا تحصى من قطرات المياه جاءت وشربتها المدينة.. أو جاءت ومضت نحو أقاصي الجنوب.
بيت الحارسنهرها.. عطر فاكهتها.. عتمة بساتينها الأليفة، نسغها الذي يصلها بقلب التاريخ، فمن يستطيع تتبع ذلك النسغ من دون أن يتوه في الدرب الوعر المقلق، المفتوح على اللانهاية، والغامض للشعر. فحين يتسرب جزء عظيم من إرث مدينة ما، ويضيع بين فجوات التاريخ، على الشعر أن ينبري ليجد على الأقل آثار ذلك الجزء وظلاله.في الآرامية باعقوبا هي بيت الحارس أو بيت العقوبة، ويبدو أن أجدادنا قبل آلاف السنين اختاروا هذه البقعة النضرة بخضرتها ومياهها لتكون مكاناً للسجن يقضي فيه المحكومون مدة عقوبتهم. وعدّها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) قرية كبيرة تشتهر بالليمون. ومنذ القرن السادس عشر كانت منطقة ديالى تسمى بمنطقة (طريق خراسان). وفي سنة 1816 وصف الرحالة الانكليزي جيمس بيكنغهام مدينة بعقوبة بعد أن زارها قائلاً؛ بعقوبة قرية كبيرة مبعثرة تتألف من مساكن بنية من الطين وبساتين النخيل وحدائق وما شاكلها، مختلفة في بنيانها مع سوق بائس ومسجدين صغيرين، ولا يتجاوز عدد السكان الألفي نسمة كلهم من العرب، ويحكم المكان يوسف أغا التابع إلى أسعد باشا ببغداد.ذاكرة وتواريخ: وحين كان العراق ثلاث ولايات هي (بغداد والموصل والبصرة) كانت بعقوبة قضاءً تابعاً لسنجق بغداد إلى جانب أقضية عانة والرمادي وسامراء وخانقين ومندلي والكاظمين والكوت والعزيزية. وذكر الرحالة كارستن نيبور الذي زار العراق بعد العام 1680 أنه زار خريسان من جملة مدن ولاية بغداد ويقصد قضاء خراسان حيث سميت المنطقة المعروفة الآن بديالى باسم خراسان. وكذلك أشار لذلك المنشئ البغدادي في العام 1820 الذي دخل المدينة مع المستر كلاديوس جيمس ريج وكتب في وصف المدينة؛من بغداد إلى بعقوبة ثمانية فراسخ وبعقوبة من قرى خريسان وهي من الجانب الآخر لنهر ديالى، وعلى شطي ديالى وخريسان خمسون قرية معمورة،وفي هذه القرى أنواع الفاكهة والكروم، وفي وسط الطريق بين بغداد وبعقوبة ببعد أربعة فراسخ خان النص المعروف عند العرب بخان بني سعد، وبالقرب من شط ديالى بني خان سمي خان السيد، وسكانه من أهل بعقوبة ويعبرون إليه بسفينة. وفي أواخر القرن التاسع عشر يقول كي لسترانج أن بعقوبة أول مدن طريق خراسان، وهي ذات بساتين ونخيل، وأن الطريق إلى المشرق صار يمر بها بعد خراب مدينة النهروان.rnطريق خراسانيقول الباحث المتخصص بتاريخ محافظة ديالى المحامي طه هاشم الدليمي أن سبب هذه التسمية هو في الحقيقة تخفيف للتسمية العربية القديمة لمنطقة ديالى عموماً والمعروفة بـ (طريق خراسان) وحذف الطريق للتخفيف، ثم زالت هذه التسمية ولم يبق منها إلاّ (نهر خريسان). ويقول الدليمي؛ أنه في عهد التنظيمات الإدارية العثمانية الحديثة عدّت منطقة (طريق خراسان/ أي ديالى) قضاءً سمي بقضاء خراسان وأصبحت الخالص وشهربان ناحيتين تابعتين لهذا القضاء، وقد عين عبدالله أفندي قائمقاماً له في العام 1870. وكانت الحكومة العثمانية قبل ذلك قد قررت في العام 1857 التشكيلة الإدارية لخراسان على أن يرأس وحدتها الإدارية قائمقام وذلك في ولاية السردار عمر باشا والي بغداد والأخير عيّن سليمان فائق بك قائمقاماً لقضاء خراسان، ويعد هذا الرجل أول قائمقام عيّن للقضاء واتخذ من بعقوبة مركـــزاً له. وبقي القضاء على هذه الحال حتى العام 1911. وبعد الاحتلال البريطاني للعراق تغيرت التقسيمات الإدارية للعراق حيث قسم إلى اثني عشر لواءً بموجب المادة الأولى من نظام الانتخاب الصادر في العام 1922 ومن هذه الألوية كان لواء ديالى.rnرحالة وطرق:ظلت بعقوبة كياناً عابراً في انطولوجيا المكان، أو هكذا أراد لها من مروا بها.. لم تزدهر إلاّ لماماً، غير أنها كانت على الدوام منسجمة مع ذاتها ومع الطبيعة، ومع العالم، مكتفية بما عندها، ومنطوية على بذرة حياتها الفريدة التي تحلم بها. ولعل ها هنا يكمن سر ديمومتها.. رغبتها العارمة في أن تبقى وأن تكون.rnيوغل طه الدليمي في تضاعيف القرون ليتحرى عن طرق المواصلات أولاً التي كانت تصل بعقوبة بغيرها في غابر الزمان فيقول؛ في العصر العباسي كان الطريق من بغداد إلى مناطق ديالى يمر بمدينة النهروان وهي جنوبي محطة كاسلر بوست القديمة، وفي شمال الإمام المعروف بأبي العروج بعد مروره بأراضي سامي الأورفلي ودير تيرما ثم الدسكرة ( أسكي بغداد ) ثم شهربان وجلولاء وخانقين، وكان هذا الطريق القديم على الأرجح لا يمر ببهرز وبعقوبة، وتبدل الأمر في آخر العهد العثماني.يستشهد الدليمي بما يذكره ستيفن لونكرك؛ بأنه كان يتفرع من ضواحي بغداد الشمالية طريقان بزاوية حادة يمر الشرقي منهما بخان سماه الأتراك بـ ( أورطة خان ) أي ( خان النص ) ثم يصل إلى معبر ديالى في بهرز ومن ثم يحاذي بساتين قرى بعقوبة وقلعة شهربان، ويمر بين تلال منخفضة/ تلال حمرين/ فيخترقها إلى خانقين. كما يتحدث، وبحسب الدليمي أيضاً، باحث محدث عن طريق آخر يسير جنوباً بمحاذا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram