TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > مشاهدات جندي بريطاني لبغداد عام 1916

مشاهدات جندي بريطاني لبغداد عام 1916

نشر في: 23 مايو, 2010: 04:40 م

تؤدي سنة او سنتان من الحرب الى تبلد حاسية المرء عن الانطباعات فما ان دخلنا بغداد حتى ارتدت افكارنا القهقرى عبر دورة التاريخ الغابر الى نبوخذ نصر والاسكندر وكورش وجوليان وكسرى وهارون الرشيد .
 اما الان فان مود قائدنا ذو الابتسامة الهادئة غدا هو الاخر من الخالدين لقد بواه الاسلوب وبعد النظر والعزم محرابه في معبد الشهرة ذلك لان اعظم مدينة اسطورية في العالم قد فتحت ابوابها امام الدقة المتجسدة. لقد فر الالمان نحو الشمال وتوارت الاشباح وتحولت الاساطير الى واقع لقد حاول( العصمانلي) عبثا في اليوم الذي مضى ان يدمر باب الطلسم وهو الباب الذي دخل منه مراد الفاتح واغلقه من ورائه كي لا يتعقب الاخرون خطواته نحو النصر. ويبدو انه لم تكن هنالك معونة روحية او خرافية بل حتى نفحة من الهة المناسبات قد انبعثت بنجاح من جانب الاتراك او البريطانيين في هذه الحرب فعلى طول المسيرة منذ اليوم الاول الذي نزلنا فيه الى الفاو كان العلم عنيدا لا يرحم وكانت قوانين السبب والواقع صارمة جدا فكانت كل غلطة يعاقب عليها وكان كل اهتمام يتمسك به.كانت اصغر ثغرة احدثناها خلال شهور في الجدار الحديدي لدفاع الاتراك نتيجة عدد لا يحصى من ضربات المطارق وحماسة وتيقظ لايكلان كما كانت ايضا نتيجة قرار يقضي بعدم التخفيف من الاوضاع المحزنة.كنا نوطد اتصالا تذكاريا بعملية استمرار التاريخ عندما دخلنا مدينة بغداد غير ان اصعب شيء في العالم هو ان تشرك بين ما هو اعتيادي وما هو عظيم ذلك ان الخيال يحلق قبل الالهام.كان دخولنا الى بغداد اكثر من امر اعتيادي ويسير وغير رسمي كنا اربعة رجال عقيد وملازم من الكتيبة الملكية وضابط مدفعي وانا نفسي وقد نزلت من طراد لانني رايت ان يكون الجيش هو البادئ بالدخول .كنا نتقدم على ظهور الخيل الرتل الذي كان يزحف عبر البساتين قبل اسبوع . كانت تلك هي مسيرة اليوم المعتادة لرتل كان يتقدم اربعة فاربعة للكشف عن موضع جديد وعن الحراس المنتشرين هناك حين اخذت البساتين المسورة عاليا توصلنا - ونحن نقترب من المدينة الى الطريق.لم نكن متاكدين ما لااذا كنا نحن ذاهبين لمقاتلة الاتراك قد انسحبوا من موقع تل محمد قبل ليلة وراحوا يقاتلون على امتداد الطريق من كل حفرة لا اسماء لها ما بين شيخ سعد و شمران لذلك كان من العسير علينا ان نعتقد بان الاتراك سيخلون مدينة الخلفاء دون ان ينصبوا لنا اخر فخ هناك.والواقع ان فوجين من لوائي الخيالة العاشر والثاني والثلاثين هما اللذان سبق لهما دخول المدينة في حين وصلت الفرقة السابعة واللواء الخامس والثلاثون الى الضفة اليمنى من نهر دجلة عند انبلاج الفجر وراحت تنتظر القوارب لعبور النهر .كنا انذاك نتحدث عن امر بعيد جدا عنا اظنه الجبهة حينما اشار العقيد امر النفيضة الى اشخاص برزوا من بين لجة الغبار فجاة فهتف صائحا وحق جوبتران هؤلاء الرفاق قد جلبوا لنا مفاتيح القلعة !.لقد شاهدنا ثلاثة رجال يرتدون ملابس سود وهم يتقدمون على امتدادالطريق غير المعبد بين البساتين المسورة وقد كانوا -على اكثر احتمال- من اهالي بغداد الذين وثقوا كل الثقة بان الاتراك قد هربوا.ولقد كان من الشجاعة ان يرحب امرؤ ما وهو تحت حكم الاتراك بالعدو عند احدى البوابات بعد ساعات قلائل عقب الملحمة الضارية التي كانت تدور عند البوابة الاخرى ولا حاجة الى القول ان ذلك الترحيب لم يكن رسميا وما ان اقترب اولئك الثلاثة منا حتى راحوا يلوحون لنا بطرابيشهم الحمر وينادوننا قائلين صباح الخير كيف حالكم ؟ لقد كان مثل هذا الترحيب المالوف الذي ينم عن العزم والثقة امرا غير متوقع.واذا واصلنا مسيرنا انضمت جماعات اخرى من الناس الى اولئك الرجال الثلاثة فراحوا يكررون لنا ذات التحية ثم ما لبثوا ان شرعوا يهتفون.كانت هناك فتيات وربات بيوت جميلات غير محجبات ادى حضورهن الى ارباك اؤلئك الرجال الذين لم يشاهدوا خلال سنوات امراة سافرة سوى النسوة الملتفعات بالسواد وهن يملان جرارهن على ضفاف دجلة !استقربنا وسط غبار متحرك كنا وسخين لم نغتسل ولم نحلق ولم نطعم شيئا ما وهكذا فاننا في الواقع لم نكن نؤلف موكبا مثيرا يدخل المدينة دخولا تاريخيا! وصلنا بامتداد طريق لا اسم له الى سدة متهدمة تقوم عندها انقاض البوابة الجنوبية وقد استدرنا نحو الشمال فوجدنا انفسنا عند النهر حيث تقوم اولى البيوت الكبيرة على  ضفة النهر لتؤلف البداية الوعرة للمدينة.تجمع هناك حشد كبير من الناس للترحيب بالبريطانيين كان المحتشدون يصفقون ويهتفون وكان العسكري الذي كان يعتبر كل شخص يرتدي الطربوش واحدا من الاتراك لا يشعر الا بالقليل من الزهو والكبرياء ولكن تلك لم تكن ظاهرة مبعثها النفاق !اتجهت راسا الى القنصلية التركية لم يكن القنصل موجودا غير ان احد المترجمين الامريكان قد دعاني الى الجلوس على فراش وثير واسعفني بقدح ةدافئ من الشاي فانتعشت جدا بعد ان تعبت من ماء دجلة ومن الرياح الموسمية التي كانت تثير الغبار بغزارة خلال الايام السابقة .لقد قال لي ذلك الترجمان بانه قد انبئ بان يكون على استعداد لاستقبال الانكليز كما افادني بان دقيقتين تكفيان لتوضيح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram