TOP

جريدة المدى > عام > عن تشيخوف وشوارعه

عن تشيخوف وشوارعه

نشر في: 3 مايو, 2021: 10:25 م

ا.د. ضياء نافع

..لأنه لا توجد شوارع وساحات في بغداد تحمل اسم بدر شاكر السياب أو نازك الملائكة أو غائب طعمه فرمان أو..أو..أو.. ,

قررت أن اكتب هذه السطور, كي أهديها , أولاً , الى ...من يهمّه الأمر... ( كما تعوّدنا أن نكتب في عرائضنا غير المجدية !!!) انطلاقاً من مبدأ – ... فذكّر إن نفعت الذكرى... رغم أني أعرف مسبقاً , أن عملية التذكير هذه ( لم تنفع في حينها ولن تنفع لاحقاً !!!) ..... و أكتب هذه السطور, ثانياً , كي أخفف الوطء ( كما أوصانا المعرّي العظيم) عن روحي وقلبي وعقلي , بعد أن اطلعت على احصائية ( غريبة وطريفة جداً !) تتحدث عن عدد الشوارع في روسيا (وبعض دول الاتحاد السوفيتي سابقاً ) , التي تحمل اسم الكاتب الروسي انطون تشيخوف , بل إن عالمية تشيخوف واطلاق اسمه على الشوارع تخطّت حدود روسيا ودول المجموعة السوفيتية السابقة , ووصلت الى دول أوروبية أخرى , وليس فقط دول المعسكر الاشتراكي السابق , والتي كانت تسير ضمن المدار الفكري السوفيتي كما هو معلوم , بل وصلت عالمية تشيخوف الى دول أوروبية غربية بعيدة جداً جداً عن التأثير الروسي و السوفيتي سياسياً وفكرياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى , فهناك الآن شوارع وساحات تحمل اسم تشيخوف في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا ..., وكل هذا يعدّ طبعا ظاهرة حضارية متقدّمة و مدهشة و تستحق التأمّل العميق بلا شك ...

تقول أرقام تلك الاحصائية الطريفة , إن تشيخوف يشغل المكان رقم واحد بين الأدباء الروس , الذين تمّ اطلاق اسمائهم على الشوارع في روسيا , وكذلك المدن السوفيتية سابقاً , عندما كان الاتحاد السوفيتي قائما آنذاك , و على الرغم من تغيير معظم التسميات في تلك الدول بعد إلغاء دولة الاتحاد السوفيتي عام 1991 كما هو معروف , إلا أن اسم تشيخوف لم يتغيّر, وقد علّق أحد أصدقائي العراقيين على ذلك قائلاً وهو يضحك – ... لأن تشيخوف ( فوق الميول والاتجاهات !) , وكان هذا ( المصطلح السياسي العراقي البحت !) موضوعا لحديثنا وتعليقاتنا المتنوعة المرحة والعميقة الحزن في آن , نحن العراقيين , الذين التقينا آنذاك - و بمحض الصدفة - في موسكو . قال الأول , إن تشيخوف لم يكن بالنسبة للعراقيين ( فوق الميول والاتجاهات ) , والدليل على ذلك , إن مجلس السلم العالمي طلب من أنصاره في العالم الاحتفال عام 1954 بذكرى مرور خمسين عاماً على وفاة تشيخوف , وقد ( لبّى!) هذا النداء الحزب الشيوعي العراقي , وأصدر أول كتاب عن تشيخوف في العراق , وهو كتاب شاكر خصباك الشهير ، اعترض الثاني قائلاً , إن كتاب خصباك كان فعلاً متناسقا مع نداء مجلس السلم العالمي , وهو منظمة تابعة للحركة الشيوعية العالمية بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك , وبالتالي , فانه جاء ضمن نشاط الحزب الشيوعي العراقي , إلا أن كتاب خصباك عن تشيخوف تخطى ذلك (الحاجز!) إن صح التعبير , وأصبح – وبمرور الزمن – كتاباً عراقياً جميلاً ومفيداً ورائداً وقائماً بذاته عن تشيخوف , يرتبط باسم خصباك فقط , ولم يعد عملاً فكرياً , جاء نتيجة نداء مجلس السلم العالمي ليس إلا , والدليل على ذلك , أن خصباك نفسه أعاد طبع هذا الكتاب في اليمن نهاية القرن العشرين , وذلك باعتبار هذا الكتاب واحداً من المصادر المهمة لتعريف القارئ العربي بالكاتب الروسي تشيخوف , وبغض النظر عن موقف الحزب الشيوعي العراقي تجاهه عند صدوره في الخمسينيات ببغداد عندئذ ، قال الثالث , إن كل الأدباء الروس في العراق الملكي وبداية العراق الجمهوري كانوا يُعتبرون ( بضم الياء ) ضمن (الميول والاتجاهات اليسارية) وليس فوقها , لأنهم فقط روس ليس إلا , بغض النظر عن مواقفهم الفكرية و نوعية كتاباتهم ومضامينها وأهدافها ( بما فيهم حتى بوشكين وغوغول ودستويفسكي وتورغينيف وتولستوي وتشيخوف ), وإن هذه النظرة الساذجة جداً (التي كانت سائدة في شعاب المجتمع العراقي كافة آنذاك ) دليل أكيد على سذاجة الساحة الفكرية العراقية عموما في تلك الفترة , وهي اثبات مادي ملموس ليس فقط لسذاجة السلطة الحاكمة وحدها , وإنما لسذاجة كل القوى الأخرى في ذلك المجتمع , بما فيها القوى السياسية المعارضة للسلطة والمضادة لها .

اتفقنا في نهاية دردشتنا الطريفة تلك , أن ظاهرة ( شوارع تشيخوف !) العالمية ترتبط بابداع تشيخوف الإنساني الهادئ والعذب بعمق وابتسامته الجميلة والحزينة , وإن ( عطسة موظفه الروسي , التي ادّت الى موته رعباً !) مفهومة جداً لكل إنسان , بغض النظر عن قومية هذا الإنسان وجنسيته ودينه وبقية خصائصة المتنوعة الأخرى , واتفقنا أيضا , إن بغداد ستشهد يوماً ما ميلاد شارع يحمل اسم بدر شاكر السياب أو غائب طعمه فرمان أو نازك الملائكة أو. ..أو.. الخ , ولكن لن يكون فيها شارع يحمل اسم تشيخوف الروسي , أو حتى شكسبير الانكليزي , والحليم تكفيه الإشارة....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram