علي حسين
في مسرحيته الشهيرة "ضجة فارغة" يخلط المسرحي الإنكليزي وليام شكسبير الجِد بالفكاهة، ويحاول أن يمزج بين المتناقضات في مسرحية توصف بأنها واحدة من أفضل كوميديات شكسبير،
الضجة الفارغة التي سخر منها شكسبير لا تزال تلازم الكثير من الذين يتخذون من الثقافة والإعلام وسيلة لقلب الحقائق، وكان آخر مشهد لمسرحية الضجة الفارغة هو مشهد السخرية الجوائز الثقافية العربية والتي اعتبرها البعضإهانة لشرف الثقافة العربية، من دون أن يخبرنا أصحاب حملة "شرف الثقافة" هل دعم الكتاب العربي يعد إهانة لشرف الثقافة؟، هل تكريم الأدباء والمفكرين أصبح جريمة نكراء ؟ وأن شرف الثقافة العربية أصبح "زي عود الكبريت" مع الاعتذار للراحل يوسف وهبي؟، وأن هذا الـ " شرف " الرفيع لا يسلم من الأذى، حتى يُراق على جوانبه حبر الانتهازية وقلب الحقائق؟.
ماجرى منذ يومين حول رفض الفيلسوف الألماني يوهان هابرماس لجائزة الشيخ زايد، أمر مثير للضحك، فالذين طالبوا المثقفين العرب بأن يتخذوا من هابرماس نموذجاً للشجاعة وقوة الكلمة، فاتهم أن آخر رجال مدرسة فرانكفورت النقدية لا يزال يعتبر نضال الشعب الفلسطيني نوعاً من أنواع الإرهاب بعد أن جرده من بعده الوطني، فهو لا يعتبر القضية الفلسطينية جزءاً من حركات التحرر الوطني التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، كما أنه لا يرى ضرورة لأن يكون للفلسطينيين دولة. ويذهب هابرماس أشواطاً بعيدة في الدفاع عن إسرائيل عندما أيد عام 1991 الحرب التي شنها بوش الأب على العراق، ولم يكن هابرماس في موقفه هذا مدافعاً عن الكويت، وإنما اعتبر هذه الحرب والقضاء على القوة العسكرية العراقية ضرورة ملحة لحماية أمن إسرائيل.
في الضجة الفارغة التي أثيرت حول رفض هابرماس للجائزة كان هناك من تغنى بالبيان الذي أصدره الفيلسوف الألماني، ولم ينتبه أصحاب الدفاع عن "شرف الثقافة" إلى أن صاحب نظرية الفعل التواصلي لم يشرح لنا لماذا قبل الجائزة في البداية ؟، ولماذا رفضها بعد أشهر؟، وهل يعقل أن فيلسوفاً باهمية هابرماس ومكانته لم يكن يعرف شيئاً عن الجائزة والمؤسسة التي تمنحها؟.
لست في وارد الإساءة لموقف هابرماس، فقد كتبت عنه وعن فلسفته أكثر من مقال، وما زلت أؤمن أن فيلسوف النظرية النقدية التواصلية، يسعى في كل كتاباته الى ان يجعل من الفلسفة دليلاً هادياً في علاقتنا بأنفسنا، وبرفاقنا من البشر.
هناك "معارك" أدبية كثيرة في التاريخ، لكننا هنا أمام ضجة فارغة، فالقائمين على الجائزة احترموا قرار هابرماس، فيما شحذ دعاة " شرف " الثقافة سكاكينهم للطعن بشخصيات فكرية مثل عبد الله العروي وأمين معلوف وسلمى الجيوسي ومحمد شحرور وعباس بيضون وثروت عكاشة ، لانهم كانوا قد تسلموا الجائزة.، في صراع المصالح والخصومات يتحول البعض إلى كومبارس في مسرحية كوميدية